الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

البيئة ومفهومها وعلاقتها بالإنسان


البيئة ومفهومها وعلاقتها بالإنسان

البيئة لفظة شائعة الاستخدام يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها وبين مستخدمها فنقول:- البيئة الزرعية، والبيئة الصناعية، والبيئة الصحية، والبيئة الاجتماعية والبيئة الثقافية، والسياسية.... ويعنى ذلك علاقة النشاطات البشرية المتعلقة بهذه المجالات...
وقد ترجمت كلمة Ecology إلى اللغة العربية بعبارة "علم البيئة" التي وضعها العالم الألماني ارنست هيجل Ernest Haeckel عام 1866م بعد دمج كلمتين يونانيتين هما Oikes ومعناها مسكن، و Logos ومعناها علم وعرفها بأنها "العلم الذي يدرس علاقة الكائنات الحية بالوسط الذي تعيش فيه ويهتم هذا العلم بالكائنات الحية وتغذيتها، وطرق معيشتها وتواجدها في مجتمعات أو تجمعات سكنية أو شعوب، كما يتضمن أيضاَ دراسة العوامل غير الحية مثل خصائص المناخ (الحرارة، الرطوبة، الإشعاعات، غازات المياه والهواء) والخصائص الفيزيائية والكيميائية للأرض والماء والهواء.
ويتفق العلماء في الوقت الحاضر على أن مفهوم البيئة يشمل جميع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات التي تقوم بها. فالبيئة بالنسبة للإنسان- "الإطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية، وكائنات تنبض بالحياة. وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية و مغناطيسية..الخ ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر.
فالحديث عن مفهوم البيئة إذن هو الحديث عن مكوناتها الطبيعية وعن الظروف والعوامل التي تعيش فيها الكائنات الحية.
وقد قسم بعض الباحثين البيئة إلى قسمين رئيسين هما:-
البيئة الطبيعية:- وهي عبارة عن المظاهر التي لا دخل للإنسان في وجودها أو استخدامها ومن مظاهرها: الصحراء، البحار، المناخ، التضاريس، والماء السطحي، والجوفي والحياة النباتية والحيوانية. والبيئة الطبيعية ذات تأثير مباشر أو غير مباشر في حياة أية جماعة حية Population من نبات أو حيوان أو إنسان.
البيئة المشيدة:- وتتكون من البنية الأساسية المادية التي شيدها الإنسان ومن النظم الاجتماعية والمؤسسات التي أقامها، ومن ثم يمكن النظر إلى البيئة المشيدة من خلال الطريقة التي نظمت بها المجتمعات حياتها، والتي غيرت البيئة الطبيعية لخدمة الحاجات البشرية، وتشمل البيئة المشيدة استعمالات الأراضي للزراعة والمناطق السكنية والتنقيب فيها عن الثروات الطبيعية وكذلك المناطق الصناعية وكذلك المناطق الصناعية والمراكز التجارية والمدارس والعاهد والطرق...الخ.
والبيئة بشقيها الطبيعي والمشيد هي كل متكامل يشمل إطارها الكرة الأرضية، أو لنقل كوكب الحياة، وما يؤثر فيها من مكونات الكون الأخرى ومحتويات هذا الإطار ليست جامدة بل أنها دائمة التفاعل مؤثرة ومتأثرة والإنسان نفسه واحد من مكونات البيئة يتفاعل مع مكوناتها بما في ذلك أقرانه من البشر، وقد ورد هذا الفهم الشامل على لسان السيد يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة حيث قال "أننا شئنا أم أبينا نسافر سوية على ظهر كوكب مشترك.. وليس لنا بديل معقول سوى أن نعمل جميعاً لنجعل منه بيئة نستطيع نحن وأطفالنا أن نعيش فيها حياة كاملة آمنة". و هذا يتطلب من الإنسان وهو العاقل الوحيد بين صور الحياة أن يتعامل مع البيئة بالرفق والحنان، يستثمرها دون إتلاف أو تدمير... ولعل فهم الطبيعة مكونات البيئة والعلاقات المتبادلة فيما بينها يمكن الإنسان أن يوجد ويطور موقعاً أفضل لحياته وحياة أجياله من بعده.
عناصر البيئة:-
يمكن تقسيم البيئة، وفق توصيات مؤتمر ستوكهولم، إلى ثلاثة عناصر هي:-
البيئة الطبيعية:- وتتكون من أربعة نظم مترابطة وثيقاً هي: الغلاف الجوي، الغلاف المائي، اليابسة، المحيط الجوي، بما تشمله هذه الأنظمة من ماء وهواء وتربة ومعادن، ومصادر للطاقة بالإضافة إلى النباتات والحيوانات، وهذه جميعها تمثل الموارد التي اتاحها الله سبحانه وتعالى للإنسان كي يحصل منها على مقومات حياته من غذاء وكساء ودواء ومأوى.
البيئة البيولوجية:- وتشمل الإنسان "الفرد" وأسرته ومجتمعه، وكذلك الكائنات الحية في المحيط الحيوي وتعد البيئة البيولوجية جزءاً من البيئة الطبيعية.
البيئة الاجتماعية:- ويقصد بالبيئة الاجتماعية ذلك الإطار من العلاقات الذي يحدد ماهية علاقة حياة الإنسان مع غيره، ذلك الإطار من العلاقات الذي هو الأساس في تنظيم أي جماعة من الجماعات سواء بين أفرادها بعضهم ببعض في بيئة ما، أو بين جماعات متباينة أو متشابهة معاً وحضارة في بيئات متباعدة، وتؤلف أنماط تلك العلاقات ما يعرف بالنظم الاجتماعية، واستحدث الإنسان خلال رحلة حياته الطويلة بيئة حضارية لكي تساعده في حياته فعمّر الأرض واخترق الأجواء لغزو الفضاء.
وعناصر البيئة الحضارية للإنسان تتحدد في جانبين رئيسيين هما:-

أولاً:- الجانب المادي:- كل ما استطاع الإنسان أن يصنعه كالمسكن والملبس ووسائل النقل والأدوات والأجهزة التي يستخدمها في حياته اليومية,

ثانياً الجانب الغير مادي:- فيشمل عقائد الإنسان و عاداته وتقاليده وأفكاره وثقافته وكل ما تنطوي عليه نفس الإنسان من قيم وآداب وعلوم تلقائية كانت أم مكتسبة.
وإذا كانت البيئة هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته من غذاء وكساء ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر، فإن أول ما يجب على الإنسان تحقيقه حفاظاً على هذه الحياة أ، يفهم البيئة فهماً صحيحاً بكل عناصرها ومقوماتها وتفاعلاتها المتبادلة، ثم أن يقوم بعمل جماعي جاد لحمايتها وتحسينها و أن يسعى للحصول على رزقه وأن يمارس علاقاته دون إتلاف أو إفساد.
البيئة والنظام البيئي
يطلق العلماء لفظ البيئة على مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها، ويقصد بالنظام البيئي أية مساحة من الطبيعة وما تحويه من كائنات حية ومواد حية في تفاعلها مع بعضها البعض ومع الظروف البيئية وما تولده من تبادل بين الأجزاء الحية وغير الحية، ومن أمثلة النظم البيئية الغابة والنهر والبحيرة والبحر، وواضح من هذا التعريف أنه يأخذ في الاعتبار كل الكائنات الحية التي يتكون منها المجتمع البيئي ( البدائيات، والطلائعيات والتوالي النباتية والحيوانية) وكذلك كل عناصر البيئة غير الحية (تركيب التربة، الرياح، طول النهار، الرطوبة، التلوث...الخ) ويأخذ الإنسان – كأحد كائنات النظام البيئي – مكانة خاصة نظراً لتطوره الفكري والنفسي، فهو المسيطر- إلى حد ملموس – على النظام البيئي وعلى حسن تصرفه تتوقف المحافظة على النظام البيئي وعدم استنزافه.
خصائص النظام البيئي:- ويتكون كل نظام بيئي مما يأتي:-
كائنات غير حية:- وهي المواد الأساسية غير العضوية والعضوية في البيئة.
كائنات حية:- وتنقسم إلى قسمين رئيسين:-
أ‌.كائنات حية ذاتية التغذية: وهي الكائنات الحية التي تستطيع بناء غذائها بنفسها من مواد غير عضوية بسيطة بوساطة عمليات البناء الضوئي، (النباتات الخضر)، وتعتبر هذه الكائنات المصدر الأساسي والرئيسي لجميع أنواع الكائنات الحية الأخرى بمختلف أنواعها كما تقوم هذه الكائنات باستهلاك كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون خلال عملية التركيب الضوئي وتقوم بإخراج الأكسجين في الهواء.
ب‌.كائنات حية غير ذاتية التغذية:- وهي الكائنات الحية التي لا تستطيع تكوين غذائها بنفسها وتضم الكائنات المستهلكة والكائنات المحللة، فآكلات الحشائش مثل الحشرات التي تتغذى على الأعشاب كائنات مستهلكة تعتمد على ما صنعه النبات وتحوله في أجسامها إلى مواد مختلفة تبني بها أنسجتها وأجسامها، وتسمى مثل هذه الكائنات المستهلك الأول لأنها تعتم مباشرة على النبات، والحيوانات التي تتغذى على هذه الحشرات كائنات مستهلكة أيضاً ولكنها تسمى "المستهلك الثاني" لأنها تعتمد على المواد الغذائية المكونة لأجسام الحشرات والتي نشأت بدورها من أصل نباتي، أما الكائنات المحللة فهي تعتمد في التغذية غير الذاتية على تفكك بقايا الكائنات النباتية والحيوانية وتحولها إلى مركبات بسيطة تستفيد منها النباتات ومن أمثلتها البكتيريا الفطريات وبعض الكائنات المترممة.
الإنسان ودوره في البيئة
يعتبر الإنسان أهم عامر حيوي في إحداث التغيير البيئي والإخلال الطبيعي البيولوجي، فمنذ وجوده وهو يتعامل مع مكونات البيئة، وكلما توالت الأعوام ازداد تحكماً وسلطاناً في البيئة، وخاصة بعد أن يسر له التقدم العلمي والتكنولوجي مزيداً من فرص إحداث التغير في البيئة وفقاً لازدياد حاجته إلى الغذاء والكساء.
وهكذا قطع الإنسان أشجار الغابات وحول أرضها إلى مزارع ومصانع ومساكن، وأفرط في استهلاك المراعي بالرعي المكثف، ولجأ إلى استخدام الأسمدة الكيمائية والمبيدات بمختلف أنواعها، وهذه كلها عوامل فعالة في الإخلال بتوازن النظم البيئية، ينعكس أثرها في نهاية المطاف على حياة الإنسان كما يتضح مما يلي:-
- الغابات: الغابة نظام بيئي شديد الصلة بالإنسان، وتشمل الغابات ما يقرب 28% من القارات ولذلك فإن تدهورها أو إزالتها يحدث انعكاسات خطيرة في النظام البيئي وخصوصاً في التوازن المطلوب بين نسبتي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الهواء.
- المراعي: يؤدي الاستخدام السيئ للمراعي إلى تدهور النبات الطبيعي، الذي يرافقه تدهور في التربة والمناخ، فإذا تتابع التدهور تعرت التربة وأصبحت عرضة للانجراف.
- النظم الزراعية والزراعة غير المتوازنة: قام الإنسان بتحويل الغابات الطبيعية إلى أراض زراعية فاستعاض عن النظم البيئية الطبيعية بأجهزة اصطناعية، واستعاض عن السلاسل الغذائية وعن العلاقات المتبادلة بين الكائنات والمواد المميزة للنظم البيئية بنمط آخر من العلاقات بين المحصول المزروع والبيئة المحيطة به، فاستخدم الأسمدة والمبيدات الحشرية للوصول إلى هذا الهدف، وأكبر خطأ ارتكبه الإنسان في تفهمه لاستثمار الأرض زراعياً هو اعتقاده بأنه يستطيع استبدال العلاقات الطبيعية المعقدة الموجودة بين العوامل البيئية النباتات بعوامل اصطناعية مبسطة، فعارض بذلك القوانين المنظمة للطبيعة، وهذا ما جعل النظم الزراعية مرهقة وسريعة العطب.
-النباتات والحيوانات البرية: أدى تدهور الغطاء النباتي والصيد غير المنتظم إلى تعرض عدد كبير من النباتات والحيوانات البرية إلى الانقراض، فأخل بالتوازن البيئية.
أثر التصنيع والتكنولوجيا الحديثة على البيئة
إن للتصنيع والتكنولوجيا الحديثة آثاراً سيئة في البيئة، فانطلاق الأبخرة والغازات وإلقاء النفايات أدى إلى اضطراب السلاسل الغذائية، وانعكس ذلك على الإنسان الذي أفسدت الصناعة بيئته وجعلتها في بعض الأحيان غير ملائمة لحياته كما يتضح مما يلي:-
- تلويث المحيط المائي: إن للنظم البيئية المائية علاقات مباشرة وغير مباشرة بحياة الإنسان، فمياهها التي تتبخر تسقط في شكل أمطار ضرورية للحياة على اليابسة، ومدخراتها من المادة الحية النباتية والحيوانية تعتبر مدخرات غذائية للإنسانية جمعاء في المستقبل، كما أن ثرواتها المعدنية ذات أهمية بالغة.
- تلوث الجو: تتعدد مصادر تلوث الجو، ويمكن القول أنها تشمل المصانع ووسائل النقل والانفجارات الذرية والفضلات المشعة، كما تتعدد هذه المصادر وتزداد أعدادها يوماً بعد يوم، ومن أمثلتها الكلور، أول ثاني أكسيد الكربون، ثاني أكسيد الكبريت، أكسيد النيتروجين، أملاح الحديد والزنك والرصاص وبعض المركبات العضوية والعناصر المشعة. وإذا زادت نسبة هذه الملوثات عن حد معين في الجو أصبح لها تأثيرات واضحة على الإنسان وعلى كائنات البيئة.
-تلوث التربة: تتلوث التربة نتيجة استعمال المبيدات المتنوعة والأسمدة وإلقاء الفضلات الصناعية، وينعكس ذلك على الكائنات الحية في التربة، وبالتالي على خصوبتها وعلى النبات والحيوان، مما ينعكس أثره على الإنسان في نهاية المطاف.

الإنسان في مواجهة التحديات البيئية
الإنسان أحد الكائنات الحية التي تعيش على الأرض، وهو يحتاج إلى أكسجين لتنفسه للقيام بعملياته الحيوية، وكما يحتاج إلى مورد مستمر من الطاقة التي يستخلصها من غذائه العضوي الذي لا يستطيع الحصول عليه إلا من كائنات حية أخرى نباتية وحيوانية، ويحتاج أيضاً إلى الماء الصالح للشرب لجزء هام يمكنه من الاتسمرار في الحياة.
وتعتمد استمرارية حياته بصورة واضحة على إيجاد حلول عاجلة للعديد من المشكلات البيئية الرئيسية التي من أبرزها مشكلات ثلاث يمكن تلخيصها فيما يلي:-
أ‌. كيفية الوصول إلى مصادر كافية للغذاء لتوفير الطاقة لأعداده المتزايدة.
ب‌. كيفية التخلص من حجم فضلاته المتزايدة وتحسين الوسائل التي يجب التوصل إليها للتخلص من نفاياته المتعددة، وخاصة النفايات غير القابلة للتحلل.
ت‌.كيفية التوصل إلى المعدل المناسب للنمو السكاني، حتى يكون هناك توازن بين عدد السكان والوسط البيئي.
ومن الثابت أن مصير الإنسان، مرتبط بالتوازنات البيولوجية وبالسلاسل الغذائية التي تحتويها النظم البيئية، وأن أي إخلال بهذه التوازانات والسلاسل ينعكس مباشرة على حياة الإنسان ولهذا فإن نفع الإنسان يكمن في المحافظة على سلامة النظم البيئية التي يؤمن له حياة أفضل، ونذكر فيما يلي وسائل تحقيق ذلك:-
الإدارة الجيدة للغابات: لكي تبقى الغابات على إنتاجيتها ومميزاتها.
الإدارة الجيدة للمراعي: من الضروري المحافظة على المراعي الطبيعية ومنع تدهورها وبذلك يوضع نظام صالح لاستعمالاتها.
الإدارة الجيدة للأراضي الزراعية: تستهدف الإدارة الحكيمة للأراضي الزراعية الحصول على أفضل عائد كما ونوعاً مع المحافظة على خصوبة التربة وعلى التوازنات البيولوجية الضرورية لسلامة النظم الزراعية، يمكن تحقيق ذل:
أ‌. تعدد المحاصيل في دورة زراعية متوازنة.
ب‌. تخصيب الأراضي الزراعية.
ت‌. تحسين التربة بإضافة المادة العضوية.
ث‌. مكافحة انجراف التربة.
4. مكافحة تلوث البيئة: نظراً لأهمية تلوث البيئة بالنسبة لكل إنسان فإن من الواجب تشجيع البحوث العلمية بمكافحة التلوث بشتى أشكاله.
5. التعاون البناء بين القائمين على المشروعات وعلماء البيئة: إن أي مشروع نقوم به يجب أن يأخذ بعين الاعتبار احترام الطبيعة، ولهذا يجب أن يدرس كل مشروع يستهدف استثمار البيئة بواسطة المختصين وفريق من الباحثين في الفروع الأساسية التي تهتم بدراسة البيئة الطبيعية، حتى يقرروا معاً التغييرات المتوقع حدوثها عندما يتم المشروع، فيعملوا معاً على التخفيف من التأثيرات السلبية المحتملة، ويجب أن تظل الصلة بين المختصين والباحثين قائمة لمعالجة ما قد يظهر من مشكلات جديدة.
6. تنمية الوعي البيئي: تحتاج البشرية إلى أخلاق اجتماعية عصرية ترتبط باحترام البيئة، ولا يمكن أن نصل إلى هذه الأخلاق إلا بعد توعية حيوية توضح للإنسان مدى ارتباطه بالبيئة و تعلمه أ، حقوقه في البيئة يقابلها دائماً واجبات نحو البيئة، فليست هناك حقوق دون واجبات.
وأخيراً مما تقدم يتبين أن هناك علاقة اعتمادية داخلية بين الإنسان وبيئته فهو يتأثر ويؤثر عليها وعليه يبدو جلياً أن مصلحة الإنسان الفرد أو المجموعة تكمن في تواجده ضمن بيئة سليمة لكي يستمر في حياة صحية سليمة.

التلوث البيئي أكثر المشاكل خطورة


التلوث البيئي أكثر المشاكل خطورة
البيئة هي المجال المحيط بالكائنات الحية تؤثر فيه ويتأثر بها لذلك يجب تجنب حدوث أي خلل في هذه المنظومة البيئية لأن هذا الخلل ينعكس بشكل أو بأخر على الكائنات التي تحيا بها ويعد التلوث البيئي واحد من أهم المؤثرات السلبية في البيئة وبالنظر له يعتبر التلوث البيئي هو الأساس
الأول الذي يعوق البيئة عن قيام البيئة بوظائفها بصورة طبيعية ويحدث نتيجة لأسباب طبيعية أو صناعية تؤثر بشكل أو بآخر على الكائنات الحية ككل .
ويعد التلوث البيئي من أخطر أنواع التلوث حيث إنه يهدد البشرية جميعها
أضرار التلوث البيئي
التلوث البيئي يؤدي للإصابة بالسكتة الدماغية حيث كشف العلماء في تايوان عن وجود علاقة واضحة بين تزايد مستويات اثنين من الملوثات الشائعة وبين الإصابة بسكتة دماغية وخاصة في الأيام الحارة كما يسبب الأذى للمحاصيل، و يحمل في طياته الأمراض التي تهدد الحياة.
أنواع التلوث البيئي
* تلوث التربة
يحدث تلوث التربة نتيجة إفراط الإنسان في استخدام المبيدات الحشرية بصورة مفرطة
أوالتوسع العمراني الذي أدى إلى تجريف وتبوير الأراضي الزراعية أو التلوث بالمعادن الثقيلة
أو بواسطة المواد المشعة،ومن أهم النتائج المترتبة على تلوث التربة التلوث الغذائي.
* تلوث الماء
يحدث تلوث الماء نتيجة لإلقاء الإنسان للمخلفات في المياه فمثلا من أكثر المصادر التي تتسبب في تلويث مياه المجارى المائية هي مخلفات المصانع السائلة الناتجة من الصناعات التحويلية: توليد الكهرباء، المهمات الكهربائية وغير الكهربائية، الحديد والصلب، المنتجات الأسمنتية، الزجاج، منتجات البلاستيك، المنتجات الكيميائية، الصابون والمنظفات، الدهانات، ورق كرتون، الجلود والصباغة، الغزل والنسيج، المواد الغذائية، تكرير البترول.
وتلوث المياه له أضرار بالغة على الإنسان لأنه يسبب العديد من الأمراض مثل
البلهارسيا ،الكوليرا ،أمراض الكبد ، التيفويد ، الملاريا
* تلوث الهواء
حدوث تلوث الهواء قد يحدث بالفعل البشرى أو يحدث بفعل الطبيعة عن طريق وجود الأتربة والعواصف والأعاصير أو قد يحدث نتيجة الفعل البشري عن طريق الإشعاعات واختراع الإنسان للوسائل التكنولوجية المؤثرة على الطبيعة بصورة كبيرة أو عوادم السيارات والوقود وغيرها من المصادر الصناعية الملوثة للهواء


كيفية تجنب تلوث البيئة:
يعد الحفاظ على البيئة من المهام الصعبة ولكنه ليس بالمستحيل وعلى الإنسان دور كبير في الحفاظ على البيئة وذلك عن طريق عدم إلقاء المخلفات والنفايات بكل صورها . وعدم الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية الضارة المؤثرة على البيئة سلبيا ،والعناية بالتربة والمياه مما يشكل مصدر الحياة لكل الكائنات الحية.

المشاركة السياسية

المشاركة السياسية
المشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، هي تجريد عمومية المجتمع وشكله السياسي وتحديده الذاتي.

بعبارة أخرى، المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنطمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه التحاجز الاجتماعي والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت. مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.

ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الطوعي، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، إذ تعيد المشاركة السياسية إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي إنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتعزها كل يوم، وهذه أي الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، ولا سيما الاعتراف بالحقوق الناجمة عن الاعتماد المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية وإسهام كل منها في عملية الإنتاج الاجتماعي على الصعيدين المادي والروحي، نعني الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل. وهي، من ثم، تعبير عملي عن المواطنة، أي عن صيرورة الفرد، من الجنسين بالتساوي، عضواً في الدولة الوطنية متساوياً، بفضل هذه العضوية، مع سائر أفراد المجتمع وأعضاء الدولة في جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية. ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، وهي التي تحدد الفارق النوعي بين الرعايا والمواطنين وبين الامتيازات والحقوق. ذوو الامتيازات، في كل عصر وفي كل نظام، لم يكونوا مواطنين، بل رعايا. وذوو الامتيازات اليوم ليسوا مواطنين، بل هم رعايا وموالون وعبيد، فمن يظن نفسه سيداً على جماعة من العبيد هو أكثر منهم عبودية. وذوو الاميتيازات اليوم ليسوا وطنيين، لأن الوطنية تتنافى مع الامتيازات على طول الخط. والنظام الذي يقوم على الامتيازات وتسلسل الولاءات ليس نظاماً وطنياً بأي معنى من المعاني. الوطنية هنا مرادفة لكلية المجتمع وعمومية الدولة وسيادة الشعب، وليست حكم قيمة أو صفة أخلاقية. المواطنون فقط هم ذوو الحقوق المدنية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعي، ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد.

وثمة علاقة لا تخفى بين الحق والحرية، إذ يتجسدان معاً في الملكية شكلاً ومضموناً[1]؛ فلا تنفصل حقوق الفرد في مجتمع من المجتمعات عن حريته. وكلما انتُقصت حقوق الفرد انتُقصت حريته، والعكس صحيح. لذلك ينبغي البحث في حرية المرأة ومدى مشاركتها في الحياة العامة من خلال ما نالته من الحقوق، والبحث في حقوق المرأة من خلال ما تتمتع به من حرية. وأيٌّ من الحق والحرية يصلح أن يكون أساساً للتفكير في المشاركة السياسية، بما هي الوسيلة السلمية للتعبير عن المصالح المشروعة لهذه الفئة الاجتماعية أو تلك.

الفرد، من الجنسين، هو الأساس الطبيعي للمجتمع المدني، و المواطن، من الجنسين أيضاً، هو الأساس السياسي، المدني، للدولة الحديثة، الدولة الوطنية / القومية؛ لذلك يبدو لزاماً على من يبحث في موضوع المشاركة السياسية أن يدرس مدى تحرر الأفراد من الروابط الطبيعية، أو الروابط الأولية، روابط الجماعات ما قبل الوطنية وما دون الوطنية، كالعائلة الممتدة والعشيرة والطائفة والجماعة العرقية وما إليها، مما يؤلف عوالم (جمع عالَم) المجتمع التقليدي وكسوره المتناثرة والمتحاجزة، أي التي تعيش داخل أسوارها، وتقيم فيما بينها حواجز عشائرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية، وتكتسي لديها السياسة طابعاً دينياً، إيمانياً ودوغمائياً، ويكتسي الدين طابعاً سياسياً، تبريرياً وذرائعياً.

ولعل حضور المقدس، الذي حدد وضعية الفرد بوجه عام ووضعية المرأة بوجه خاص، في "مجتمعات الكتاب"[2]، ومنها المجتمع السوري، حضوراً طاغياً في الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا سيما في مجال السلطة، مرتبط أوثق ارتباط وأشده بسيادة العلاقات والروابط الطبيعية، روابط الدم والنسب والعقيدة، بين الأفراد والجماعات من جهة، وبشدة التبعية للطبيعة وآلام الاستقلال عنها ومحاولة السيطرة عليها من جهة أخرى[3]. فبقدر ما ترتدي السلطة طابع القداسة، الناجم عن تحوير مصدرها، ترتدي العلاقات الاجتماعية والسياسية طابعاً أبويا (بطريركياً) تجعل من الفرد كائناً امتثالياً عاجزاً ومتواكلاً ومعجباً بالورود التي تخفي قيوده، وتغل عقله ويديه. بل إن سيادة العلاقات الطبيعية والروابط الأولية هي التي تفسر قداسة السلطة، سواء كان التعبير عن هذه القداسة مباشراً، كما كان في العصور القديمة والوسطى، أو غير مباشر، كما هي حال المجتمعات المتأخرة في الأزمنة الحديثة، المجتمعات التي لا تزال تقدِّس الحاكم وتسبغ عليه جميع صفات الآلهة، فتغلب لديها عبادة "الأب القائد" على عبادة الإله الواحد. ورائز ذلك في كل زمان ومكان هو مدى انعتاق الفرد من براثن التقليد، ومقدار العمل البشري الخلاَّق في عمليات تغيير أشكال الطبيعة وإنتاج الثروات المادية والروحية، بالتلازم الضروري، ونسبته إلى العناصر الطبيعية.

ومن ثم، فإن المشاركة السياسية، مشروطة بالانتقال من "الجماعة الطبيعية" إلى الجماعة المدنية، من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، مجتمع الشغل والإنتاج والمصالح المختلفة والمتباينة والتنافس الخلاق والاعتماد المتبادل، أي إنها مرتبطة بالاندماج الوطني أو الاندماج القومي والانتقال من التشظي والتناثر إلى الوحدة، وحدة الاختلاف، ومن الملة إلى الأمة، بالمعنى الحديث للكلمة، وهو غير المعنى المتداول في الخطاب الثقافي والسياسي العربي حتى اليوم، والانتقال من ثم من وضعية ما قبل الدولة الوطنية إلى الدولة الوطنية بثلاثة أركانها: الأرض (الوطن) والشعب والسلطة السياسية[4].

وللاندماج الوطني، كما هو معلوم عاملان أساسيان: أولهما العمل والإنتاج الاجتماعي، أي قدرة المجتمع على إنتاج حياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية وإعادة إنتاجها بحرية، والثاني هو الدولة السياسية أو الدولة الوطنية التي يتساوى في عضويتها جميع أفراد المجتمع، بلا استثناء ولا تمييز. فليس بوسع العمل، مجرداً ومشخصاً، أن ينظر إلى الفرد إلا بوصفه منتجاً للقيمة، بغض النظر عن الجنس والدين والانتماء العرقي وسائر التحديدات الذاتية الأخرى، وليس بوسع الدولة بما هي تجريد العمومية أن تنظر إلى الفرد وأن تتعامل معه إلا بصفته مواطناً؛[5] بهذين العاملين: العمل والدولة[6]، تتنحى عن علاقات العمل، وعن العلاقات السياسية خاصة، جميع تحديدات الأفراد ومحمولاتهم، سوى القدرة والمهارة والكفاية العلمية، على صعيد العمل، والتزام القانون والوفاء بالالتزامات والمسؤوليات التي تلقيها المواطنة على عاتق الفرد، على صعيد الدولة. ولعل تمييز عمل النساء من عمل الرجال، وتفاوت الأجور بينهما، لقاء الأعمال المتساوية، كان في بدايات الثورة الديمقراطية امتداداً لنظرة المجتمعات التقليدية الآخذة في النمو والتقدم إلى المرأة وإلى الطفل أيضاً، ولم يكن ناجماً عن طبيعة العمل، خالق القيمة وجميع القيم، وخالق السياسة والمشاركة السياسية.

ومن البديهي أن المشاركة السياسية، في زمان ومكان محددين، تتوقف على معنى السياسة وقيمتها ومدى حيويتها وعقلانيتها، في المجتمع المعني، أي على نحو ما تفهمها مختلف الفئات الاجتماعية، وعلى القيمة التي تمنحها لها هذه الفئات، وعلى مدى إدراجها في تحديد ذواتها، لا على نحو ما تفهما وتعقلها النخبة فقط. والفرق بين هذين المستويين أشبه ما يكون بـ "فرق الكمون" الذي يولد الطاقة والحركة. فحين يكون الأمر مقصوراً على نخبة لا تزال حداثتها وعقلانيتها موضع شك تغدو أفضل المبادئ والنماذج النظرية بلا قيمة عملية. ومن ثم، فإن عنصر التحديد الحاسم هو النظر إلى السياسية، إما على أنها شأن عام، وصفة ملازمة للمواطنة، أي على أنها علم إدارة الشؤون العامة بوصفها علاقات موضوعية، أو "علم الدولة"؛ وإما على أنها شأن من شؤون النخبة، وجملة من الأهداف والمطالب والتطلعات والرغبات الذاتية، وهو المعنى الغالب على السياسة في بلادنا حتى اليوم، إذا صرفنا النظر، هنا فقط، عن مقاصدها الأساسية التي كشفت عنها الدراسات الأنتروبولوجية والتاريخية، أعني "الغنيمة والعشيرة والعقيدة"، بتعبير الجابري[7].

وتجدر الملاحظة أن مفهوم المشاركة السياسية مفهوم حديث، وافد على الثقافة العربية، وعلى الفكر السياسي خاصة، ولم يتبياً بعد، ولم يستوطن؛ أي إن الثقافة العربية لم تتمثل هذا المفهوم وما يتصل به من المفاهيم الحديثة، وتعيد إنتاجها وفق معطيات الواقع وحاجات المجتمع. بل إن جل ما فعلته، حتى يومنا، هو غمس هذه المفاهيم في مستنقع التقليد، ومحاولة تكييفها مع "التراث"، أو إعادة إنتاجها فيه، بحسب ما يرغب محمد عابد الجابري وغيره من التراثويين، من دون أن تدرك أنها تعزز التقليد، وتحد من القدرة التنويرية والتحريرية والتوليدية والإجرائية لهذه المفاهيم، إن لم تخصها.

بوجيز القول، لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية إلا في نطاق مجتمع مدني حديث ودولة وطنية حديثة لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها دولة حق وقانون، لا دولة حزب، ولا دولة نخبة ولا دولة طغمة ولا دولة عشيرة، ولا دولة طائفة أو جماعة دينية، ولا دولة جماعة عرقية[8]، وإلا فنحن إزاء بوادر وإرهاصات عسى أن تكون ذاهبة إلى المستقبل. لذلك يميل الكاتب إلى القول: ليس لدينا بعد سوى ضرب من مشاركة سياسية سلبية تتجلى في التأييد السلبي، أو القبول التام، وفي المعارضة السلبية أو الرفض التام، لا مشاركة سياسية إيجابية وخلاقة للجنسين على حد سواء. إذ للمشاركة السياسية الإيجابية رائزان: الأول هو مشروعية المعارضة وقانونيتها، والثاني هو مشاركة المرأة في الحياة السياسية على قدم المساواة مع الرجل.

الاستبداد المحدث القائم على تسلسل الولاءات وعلى الامتيازات، لا على الحقوق وحكم القانون، يساوي بين الرعايا في توزيع هداياه التي أهمها القمع و الخوف واليأس، ويساوي بين الأفراد من الجنسين على أنهم لا شيء، ولا يقبل بأي نوع من المعارضة، لا من داخل بنيته ولا من خارجها، لأنه يقوم على احتكار الحقيقة واحتكار الوطنية، وعلى الاحتكار الفعال لجميع مصادر السلطة والثروة والقوة. فالمعارضة في جميع النظم الاستبدادية، الشمولية منها والتسلطية مؤثمة ومكفرة ومخونة. والحيف الواقع على المرأة حيف مضاعف يجعل منها عبدة العبد ومستغَلة المستغَل (بفتح الغين)، وموضوعاً لقهر من هو موضوع للقهر والاضطهاد والذل، فقد كان الاستبداد على مر العصور ولا يزال إهانة للكرامة البشرية.

ومنذ صار تحرر المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، ولا سيما في الحياة السياسية، رائزاً من روائز التحضر والتمدن والتقدم الاجتماعي، راح الكتاب والباحثون العرب ينبشون في ثنايا التاريخ البعيد والقريب، كعلماء الآثار، بحثاً عن نسوة شاركن في الغزوات والحروب أو في صدها، أو كانت لهن مجالس يؤمها الرجال، أو شاركن في مقاومة الاستعمار الحديث، ورفعن راية الحرية والاستقلال، أو كن من أعلام الثقافة والاستنارة قديماً وحديثاً، أو قدن مظاهرات احتجاج على تعسف المستعمرين، كتلك التي وصفها حافظ إبراهيم، في مصر، أو التي يتحدث عنها "أنصار المرأة" في سورية، وجعلوا من شجرة أو عدة شجيرات غابة، ومن زهرة أو عدة زهرات ربيعاً، فأنتجوا نوعاً من ثقافة افتخارية وتبريرية في آن؛ ولم يلتفتوا إلى حقيقة أن تلك الاستثناءات تؤكد القاعدة، أي تؤكد دونية المرأة واضطهادها وهامشيتها في المجتمع. ولم يدر في خلد أحدهم أن الجماعات البشرية تتراخى في التزام المعايير الاجتماعية، والأخلاقية منها خاصة، في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية، فتشارك النساء كالرجال سواء بسواء في الدفاع عن الوجود فحسب، كما تتراخى المعايير كذلك في المراحل الانتقالية، وليس ذلك، في نظر الكاتب، من قبيل المشاركة السياسية، بمعناها الحديث، من قريب أو من بعيد؛ فإن التراخي في المعايير شيء واستقرار الحياة الاجتماعية والسياسية على التعاقد والمشاركة والتسامح واعتراف الجميع بحقوق الجميع وحرياتهم شيء آخر.

على أن التراخي في المعايير الذي يسم المراحل الانتقالية يمهد السبيل للتغيير الاجتماعي؛ بقدر ما تتوفر قوى التغيير على القوة والنفوذ والجذرية والمثابرة، وبقدر ما تعبر عن مصالح جذرية لمختلف الفئات الاجتماعية، ولو بدرجات متفاوتة، وبقدر ما تنفتح الثقافة على آفاق كونية وإنسانية وتقوم بوظيفتها التنويرية والتحريرية، وتنفتح التربية على معطيات الحداثة ومبادئها وقيمها ومناهجها.

تعيش سورية منذ خمس سنوات مرحلة انتقالية، أبرز سماتها ظهور نوع من معارضة جديدة خرجت في معظمها من البنى الأيديولوجية المتخشبة التي لا تزال تجثم على صدر الحياة السياسية، ولا تزال هذه المعارضة الوليدة تحمل كثيراً من رواسب تلك البنى. ويمكن القول إن في سورية اليوم معارضين مشوشي الوعي لم يتمكنوا بعد من التوافق على رؤية وطنية ديمقراطية عامة تنبع من حاجات المجتمع وضرورة الخروج من النظام الشمولي إلى نظام وطني ديمقراطي، فلا تزال الطريق طويلة حتى يتحولوا إلى حركة معارضة شعبية، مدنية وسلمية، كانتفاضة الأرز في لبنان أو حركة كفاية في مصر. ولعل مثل هذه الحركة هي صمام الأمان الممكن من انفجار المجتمع واضطراب الأمن وسيادة الفوضى.

ومعظم السوريين الذين كانوا يمانعون تعليم البنات، على سبيل المثال، انتقلوا من الممانعة إلى التحفظ، ثم إلى التسامح، ثم إلى الإقبال والحماسة، فتراجعت نسبة الأمية بين النساء بوتائر متسارعة، وصار الآباء يفاخرون ببناتهم المتفوقات والمؤهلات علمياً مفاخرتهم بأولادهم الذكور. وقل مثل ذلك في موقف المجتمع من عمل المرأة[9]. ولم يعد سفرها في سبيل التحصيل العلمي أو في سبيل العمل أمراً مستهجناً جداً. بل إن موقف المجتمع بدأ يتزحزح شيئاً فشيئاً من مشاركة المرأة في التمثيل والغناء والرقص وارتياد البلاجات والمسابح، ومن الزواج المدني في حدود ضيقة جداً، وصار للفتاة بعض الحرية في اختيار شريك حياتها، ولا يخلو الأمر من مد وجزر في جميع هذه الميادين. وهذا كله ناتج من تراخي المجتمع في التزام المعايير التقليدية، بحكم المرحلة الانتقالية التي تعيشها سورية، مرحلة الانتقال الصعب والمتعثر من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث.

ويمكن القول بثقة: إن المرأة السورية تتمتع اليوم بحق التعليم وحق العمل، قانونياً وعملياً، بغض النظر عن تدني معدلات الادخار والاستثمار وندرة فرص العمل وتنامي الفقر والبطالة. وهذان، حق العمل وحق التعليم، محرزان أساسيان وشرطان ضروريان لنيل بقية الحقوق، وشرطان ضروريان لمشاركتها في الحياة السياسية أيضاً. على أن حقوق المرأة لا تتجذَّر ولا تستقر إلا في كنف الحرية وبكفالة القانون، وإلا فإنها تظل سطحية وهشة وقابلة للانتكاس والتراجع، ولا تتحول إلى مهماز لتقدم المجتمع؛ فإن الإفقار المتزايد ومصادرة الحريات الأساسية، على نحو ما يجري في سورية، يجعل من هذه الحقوق المكتسبة شكلاً بلا مضمون، كالنظام السياسي ذاته. آية ذلك أن تعلم المرأة ومشاركتها في العمل على قدم المساواة مع الرجل لم يسفرا حتى اليوم عن أي تغيير أو تعديل يذكر في شرطها الاجتماعي والإنساني أو في القوانين التي تحط من إنسانيتها وتنتقص من أهليتها القانونية[10]، بل إن عمل المرأة، خاصة في الريف والبادية حيث تقوم بجميع الأعمال، يضيف أعباء جديدة إلى أعبائها وشقاء إلى شقائها، إلا في القليل والنادر مما يومئ إلى المستقبل.

الاعتراف المبدئي والنهائي بحق الاختلاف ومشروعية المعارضة السياسية التي تعبر عن المصالح الجذرية للفئات الاجتماعية المختلفة، وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة العامة أسوة بالرجل رائزان أساسيان من روائز المشاركة السياسية، وشرطان ضروريان لحياة سياسية سليمة.
[1] - الحرية هي مضمون الملكية، والحق هو شكلها، والحديث هنا عن الحق بصفته العامة والمجردة، قبل أن يتفرع إلى حقوق مدنية وحقوق سياسية وغيرها، ويعبر عنه في صيغة دستور ومدونة قانونية. ولذلك علاقة وثيقة بمفهوم الإنتاج؛ إذ كل إنتاج هو تملك. الملكية هي الإرادة وقد صارت موضوعية. والتناقض الأساسي في الملكية هو التناقض الجدلي بين مضمونها العام وشكلها الخاص ، منذ ظهور الملكية الخاصة. ومن ثم فإن الحرية لا تصير عامة تشمل جميع مناحي الحياة وجميع الأفراد بالتساوي إلا حينما تصير الملكية عامة، بالمعنى الدقيق للكلمة. لذلك نتحدث عن حرية منقوصة باستمرار، سواء من حيث شمولها جميع الأفراد أو من حيث شمولها جميع مناحي الحياة. وهذا النقص هو أحد عوامل التقدم. وعلينا أن نتقبل هذا الوضع.

[2] - التعبير لمحمد أركون، ويقصد به المجتمعات التي لديها كتاب منزل.

[3] - منذ استقل الإنسان عن الطبيعة واستوى على عرش المعرفة والعمل، أو المعرفة/العمل، بستانياً للعالم، بدأ تاريخ ارتقائه على درب الآلام، لتملك العالم، واتخذ تاريخه صورة دراما ومأساة، كان نصيب النساء منها كبيراً.

[4] - لا أمل في إصلاح جدي ومشاركة سياسية في البلدان العربية ما لم يقم الفكر النظري بواجبه النقدي، فيعيد تعريف المفاهيم السياسية، كالوطن والوطنية والأمة والقومية والدولة والسياسة ... على أسس جديدة، ويسهم في إعادة بناء الوعي الاجتماعي، والوعي السياسي خاصة، وفق مبادئ الحرية والاستقلال في مواجهة التبعية والانقياد للخارج، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والشمولية، والحداثة في مواجهة التقليد، والعلمانية في مواجهة التيوقراطية وحاكمية وزراء الله وممثليه على الأرض.

[5] - الفكر السياسي العربي والخيال السياسي العربي معاً لم يرقيا بعد إلى مستوى التجريد، فلا يستطيع المفكر العربي والسياسي العربي، سوى استثناءات قليلة، أن ينظر إلى الدولة على أنها تجريد عمومية المجتمع وتعبير عن كليته، وإلى المواطن على أنه تجريد الفرد الطبيعي، فلا يستطيع تصور فكرة أن الدولة هي دولة جميع المواطنين ومحايدة حياداً إيجابياً إزاء جميع محمولات الأفراد والجماعات، وإزاء العقائد والأيديولوجيات الدينية والعلمانية على السواء.

[6] - العمل والدولة مستويان متلازمان ومتداخلان في الحياة الحديثة، يتعلق أولهما بحياة الفرد الخاصة، في المجتمع المدني، ويتعلق الثاني بحياته العامة، في المجتمع السياسي؛ الأول هو ميدان الفردية والخصوصية، والثاني هو ميدان العمومية. والعمومية هي ماهية الفردية والخصوصية وتحديدها الأخير، بعد تجريدها من جميع التعيينات.

[7] - راجع، ريجيس دو بريه، في "نقد العقل السياسي"، من منشورات دار الآداب، ببيروت. ومحمد عابد الجابري، في "العقل السياسي العربي"، من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، ببيروت.

[8] - الدولة القومية، في نظر القومويين عامة والبعثيين منهم خاصة، كالدولة الدينية، دولة حصرية وإقصائية لجماعة من "المؤمنين" هي "خير أمة أخرجت للناس"، تحتكر الحقيقة والوطنية، ولا تسمح بأي نوع من المشاركة أو المعارضة.

[9] - لا شك في أن لتردي الأوضاع المعاشية لأكثرية السوريين أثراً مهماً في التسامح إزاء عمل المرأة، ففي أيام شبابنا كان موضوع عمل المرأة موضوعاً خلافياً في كل مجلس، وكانت أكثرية النخبة، ناهيكم عن العامة، تميل إلىالمحافظة.

[10] - التعديل الوحيد الذي أقر في مجال الأحوال الشخصية، عام 2004 ، هو رفع سن حضانة الأم المطلقة أو الأرملة لأطفالها سنتين.

المشاركة السياسية

المشاركة السياسية


المشاركة السياسية في أي مجتمع هي محصلة نهائية لجملة من العوامل الاجتماعية الاقتصادية والمعرفية والثقافية والسياسية والأخلاقية؛ تتضافر في تحديد بنية المجتمع المعني ونظامه السياسي وسماتهما وآليات اشتغالهما، وتحدد نمط العلاقات الاجتماعية والسياسية ومدى توافقها مع مبدأ المشاركة الذي بات معلماً رئيساً من معالم المجتمعات المدنية الحديثة، المجتمعات التي أعاد العمل الصناعي وتقدم العلوم والتقانة والمعرفة الموضوعية والثقافة الحديثة بناء حياتها العامة وعلاقاتها الداخلية، على أساس العمل الخلاق، والمبادرة الحرة، والمنفعة والجدوى والإنجاز، وحكم القانون، في إطار دولة وطنية حديثة، هي تجريد عمومية المجتمع وشكله السياسي وتحديده الذاتي.

بعبارة أخرى، المشاركة السياسية مبدأ ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنطمة الوطنية الديمقراطية التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار. مبدأ يقيم فرقاً نوعياً بين نظام وطني ديمقراطي قوامه الوحدة الوطنية، وحدة الاختلاف والتنوع والتعارض الجدلي، ونظام شمولي أو تسلطي قوامه التحاجز الاجتماعي والحرب الأهلية الكامنة التي يمكن أن تنفجر عنفاً عارياً وتدميراً ذاتياً في أي وقت. مبدأ سياسي وأخلاقي يقيم فرقاً نوعياً بين الحرية والاستبداد.

ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي التعبير العملي عن العقد الاجتماعي الطوعي، لا في مفهومه فحسب، بل في واقعه العملي أيضاً، إذ تعيد المشاركة السياسية إنتاج العقد الاجتماعي وتؤكده كل يوم؛ أي إنها تعيد إنتاج الوحدة الوطنية وتعزها كل يوم، وهذه أي الوحدة الوطنية من أهم منجزات الحداثة، ولا سيما الاعتراف بالحقوق الناجمة عن الاعتماد المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية وإسهام كل منها في عملية الإنتاج الاجتماعي على الصعيدين المادي والروحي، نعني الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والتبادل. وهي، من ثم، تعبير عملي عن المواطنة، أي عن صيرورة الفرد، من الجنسين بالتساوي، عضواً في الدولة الوطنية متساوياً، بفضل هذه العضوية، مع سائر أفراد المجتمع وأعضاء الدولة في جميع الحقوق المدنية والحريات الأساسية. ويمكن القول إن المشاركة السياسية هي جوهر المواطنة وحقيقتها العملية، وهي التي تحدد الفارق النوعي بين الرعايا والمواطنين وبين الامتيازات والحقوق. ذوو الامتيازات، في كل عصر وفي كل نظام، لم يكونوا مواطنين، بل رعايا. وذوو الامتيازات اليوم ليسوا مواطنين، بل هم رعايا وموالون وعبيد، فمن يظن نفسه سيداً على جماعة من العبيد هو أكثر منهم عبودية. وذوو الاميتيازات اليوم ليسوا وطنيين، لأن الوطنية تتنافى مع الامتيازات على طول الخط. والنظام الذي يقوم على الامتيازات وتسلسل الولاءات ليس نظاماً وطنياً بأي معنى من المعاني. الوطنية هنا مرادفة لكلية المجتمع وعمومية الدولة وسيادة الشعب، وليست حكم قيمة أو صفة أخلاقية. المواطنون فقط هم ذوو الحقوق المدنية، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي يعترف بها الجميع للجميع بحكم العقد الاجتماعي، ويصونها القانون الذي يعبر عن هذا العقد.

وثمة علاقة لا تخفى بين الحق والحرية، إذ يتجسدان معاً في الملكية شكلاً ومضموناً[1]؛ فلا تنفصل حقوق الفرد في مجتمع من المجتمعات عن حريته. وكلما انتُقصت حقوق الفرد انتُقصت حريته، والعكس صحيح. لذلك ينبغي البحث في حرية المرأة ومدى مشاركتها في الحياة العامة من خلال ما نالته من الحقوق، والبحث في حقوق المرأة من خلال ما تتمتع به من حرية. وأيٌّ من الحق والحرية يصلح أن يكون أساساً للتفكير في المشاركة السياسية، بما هي الوسيلة السلمية للتعبير عن المصالح المشروعة لهذه الفئة الاجتماعية أو تلك.

الفرد، من الجنسين، هو الأساس الطبيعي للمجتمع المدني، و المواطن، من الجنسين أيضاً، هو الأساس السياسي، المدني، للدولة الحديثة، الدولة الوطنية / القومية؛ لذلك يبدو لزاماً على من يبحث في موضوع المشاركة السياسية أن يدرس مدى تحرر الأفراد من الروابط الطبيعية، أو الروابط الأولية، روابط الجماعات ما قبل الوطنية وما دون الوطنية، كالعائلة الممتدة والعشيرة والطائفة والجماعة العرقية وما إليها، مما يؤلف عوالم (جمع عالَم) المجتمع التقليدي وكسوره المتناثرة والمتحاجزة، أي التي تعيش داخل أسوارها، وتقيم فيما بينها حواجز عشائرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية، وتكتسي لديها السياسة طابعاً دينياً، إيمانياً ودوغمائياً، ويكتسي الدين طابعاً سياسياً، تبريرياً وذرائعياً.

ولعل حضور المقدس، الذي حدد وضعية الفرد بوجه عام ووضعية المرأة بوجه خاص، في "مجتمعات الكتاب"[2]، ومنها المجتمع السوري، حضوراً طاغياً في الحياة الاجتماعية والسياسية، ولا سيما في مجال السلطة، مرتبط أوثق ارتباط وأشده بسيادة العلاقات والروابط الطبيعية، روابط الدم والنسب والعقيدة، بين الأفراد والجماعات من جهة، وبشدة التبعية للطبيعة وآلام الاستقلال عنها ومحاولة السيطرة عليها من جهة أخرى[3]. فبقدر ما ترتدي السلطة طابع القداسة، الناجم عن تحوير مصدرها، ترتدي العلاقات الاجتماعية والسياسية طابعاً أبويا (بطريركياً) تجعل من الفرد كائناً امتثالياً عاجزاً ومتواكلاً ومعجباً بالورود التي تخفي قيوده، وتغل عقله ويديه. بل إن سيادة العلاقات الطبيعية والروابط الأولية هي التي تفسر قداسة السلطة، سواء كان التعبير عن هذه القداسة مباشراً، كما كان في العصور القديمة والوسطى، أو غير مباشر، كما هي حال المجتمعات المتأخرة في الأزمنة الحديثة، المجتمعات التي لا تزال تقدِّس الحاكم وتسبغ عليه جميع صفات الآلهة، فتغلب لديها عبادة "الأب القائد" على عبادة الإله الواحد. ورائز ذلك في كل زمان ومكان هو مدى انعتاق الفرد من براثن التقليد، ومقدار العمل البشري الخلاَّق في عمليات تغيير أشكال الطبيعة وإنتاج الثروات المادية والروحية، بالتلازم الضروري، ونسبته إلى العناصر الطبيعية.

ومن ثم، فإن المشاركة السياسية، مشروطة بالانتقال من "الجماعة الطبيعية" إلى الجماعة المدنية، من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، مجتمع الشغل والإنتاج والمصالح المختلفة والمتباينة والتنافس الخلاق والاعتماد المتبادل، أي إنها مرتبطة بالاندماج الوطني أو الاندماج القومي والانتقال من التشظي والتناثر إلى الوحدة، وحدة الاختلاف، ومن الملة إلى الأمة، بالمعنى الحديث للكلمة، وهو غير المعنى المتداول في الخطاب الثقافي والسياسي العربي حتى اليوم، والانتقال من ثم من وضعية ما قبل الدولة الوطنية إلى الدولة الوطنية بثلاثة أركانها: الأرض (الوطن) والشعب والسلطة السياسية[4].

وللاندماج الوطني، كما هو معلوم عاملان أساسيان: أولهما العمل والإنتاج الاجتماعي، أي قدرة المجتمع على إنتاج حياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والأخلاقية وإعادة إنتاجها بحرية، والثاني هو الدولة السياسية أو الدولة الوطنية التي يتساوى في عضويتها جميع أفراد المجتمع، بلا استثناء ولا تمييز. فليس بوسع العمل، مجرداً ومشخصاً، أن ينظر إلى الفرد إلا بوصفه منتجاً للقيمة، بغض النظر عن الجنس والدين والانتماء العرقي وسائر التحديدات الذاتية الأخرى، وليس بوسع الدولة بما هي تجريد العمومية أن تنظر إلى الفرد وأن تتعامل معه إلا بصفته مواطناً؛[5] بهذين العاملين: العمل والدولة[6]، تتنحى عن علاقات العمل، وعن العلاقات السياسية خاصة، جميع تحديدات الأفراد ومحمولاتهم، سوى القدرة والمهارة والكفاية العلمية، على صعيد العمل، والتزام القانون والوفاء بالالتزامات والمسؤوليات التي تلقيها المواطنة على عاتق الفرد، على صعيد الدولة. ولعل تمييز عمل النساء من عمل الرجال، وتفاوت الأجور بينهما، لقاء الأعمال المتساوية، كان في بدايات الثورة الديمقراطية امتداداً لنظرة المجتمعات التقليدية الآخذة في النمو والتقدم إلى المرأة وإلى الطفل أيضاً، ولم يكن ناجماً عن طبيعة العمل، خالق القيمة وجميع القيم، وخالق السياسة والمشاركة السياسية.

ومن البديهي أن المشاركة السياسية، في زمان ومكان محددين، تتوقف على معنى السياسة وقيمتها ومدى حيويتها وعقلانيتها، في المجتمع المعني، أي على نحو ما تفهمها مختلف الفئات الاجتماعية، وعلى القيمة التي تمنحها لها هذه الفئات، وعلى مدى إدراجها في تحديد ذواتها، لا على نحو ما تفهما وتعقلها النخبة فقط. والفرق بين هذين المستويين أشبه ما يكون بـ "فرق الكمون" الذي يولد الطاقة والحركة. فحين يكون الأمر مقصوراً على نخبة لا تزال حداثتها وعقلانيتها موضع شك تغدو أفضل المبادئ والنماذج النظرية بلا قيمة عملية. ومن ثم، فإن عنصر التحديد الحاسم هو النظر إلى السياسية، إما على أنها شأن عام، وصفة ملازمة للمواطنة، أي على أنها علم إدارة الشؤون العامة بوصفها علاقات موضوعية، أو "علم الدولة"؛ وإما على أنها شأن من شؤون النخبة، وجملة من الأهداف والمطالب والتطلعات والرغبات الذاتية، وهو المعنى الغالب على السياسة في بلادنا حتى اليوم، إذا صرفنا النظر، هنا فقط، عن مقاصدها الأساسية التي كشفت عنها الدراسات الأنتروبولوجية والتاريخية، أعني "الغنيمة والعشيرة والعقيدة"، بتعبير الجابري[7].

وتجدر الملاحظة أن مفهوم المشاركة السياسية مفهوم حديث، وافد على الثقافة العربية، وعلى الفكر السياسي خاصة، ولم يتبياً بعد، ولم يستوطن؛ أي إن الثقافة العربية لم تتمثل هذا المفهوم وما يتصل به من المفاهيم الحديثة، وتعيد إنتاجها وفق معطيات الواقع وحاجات المجتمع. بل إن جل ما فعلته، حتى يومنا، هو غمس هذه المفاهيم في مستنقع التقليد، ومحاولة تكييفها مع "التراث"، أو إعادة إنتاجها فيه، بحسب ما يرغب محمد عابد الجابري وغيره من التراثويين، من دون أن تدرك أنها تعزز التقليد، وتحد من القدرة التنويرية والتحريرية والتوليدية والإجرائية لهذه المفاهيم، إن لم تخصها.

بوجيز القول، لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية إلا في نطاق مجتمع مدني حديث ودولة وطنية حديثة لا تبدو لمواطنيها من الداخل سوى بصفتها دولة حق وقانون، لا دولة حزب، ولا دولة نخبة ولا دولة طغمة ولا دولة عشيرة، ولا دولة طائفة أو جماعة دينية، ولا دولة جماعة عرقية[8]، وإلا فنحن إزاء بوادر وإرهاصات عسى أن تكون ذاهبة إلى المستقبل. لذلك يميل الكاتب إلى القول: ليس لدينا بعد سوى ضرب من مشاركة سياسية سلبية تتجلى في التأييد السلبي، أو القبول التام، وفي المعارضة السلبية أو الرفض التام، لا مشاركة سياسية إيجابية وخلاقة للجنسين على حد سواء. إذ للمشاركة السياسية الإيجابية رائزان: الأول هو مشروعية المعارضة وقانونيتها، والثاني هو مشاركة المرأة في الحياة السياسية على قدم المساواة مع الرجل.

الاستبداد المحدث القائم على تسلسل الولاءات وعلى الامتيازات، لا على الحقوق وحكم القانون، يساوي بين الرعايا في توزيع هداياه التي أهمها القمع و الخوف واليأس، ويساوي بين الأفراد من الجنسين على أنهم لا شيء، ولا يقبل بأي نوع من المعارضة، لا من داخل بنيته ولا من خارجها، لأنه يقوم على احتكار الحقيقة واحتكار الوطنية، وعلى الاحتكار الفعال لجميع مصادر السلطة والثروة والقوة. فالمعارضة في جميع النظم الاستبدادية، الشمولية منها والتسلطية مؤثمة ومكفرة ومخونة. والحيف الواقع على المرأة حيف مضاعف يجعل منها عبدة العبد ومستغَلة المستغَل (بفتح الغين)، وموضوعاً لقهر من هو موضوع للقهر والاضطهاد والذل، فقد كان الاستبداد على مر العصور ولا يزال إهانة للكرامة البشرية.

ومنذ صار تحرر المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، ولا سيما في الحياة السياسية، رائزاً من روائز التحضر والتمدن والتقدم الاجتماعي، راح الكتاب والباحثون العرب ينبشون في ثنايا التاريخ البعيد والقريب، كعلماء الآثار، بحثاً عن نسوة شاركن في الغزوات والحروب أو في صدها، أو كانت لهن مجالس يؤمها الرجال، أو شاركن في مقاومة الاستعمار الحديث، ورفعن راية الحرية والاستقلال، أو كن من أعلام الثقافة والاستنارة قديماً وحديثاً، أو قدن مظاهرات احتجاج على تعسف المستعمرين، كتلك التي وصفها حافظ إبراهيم، في مصر، أو التي يتحدث عنها "أنصار المرأة" في سورية، وجعلوا من شجرة أو عدة شجيرات غابة، ومن زهرة أو عدة زهرات ربيعاً، فأنتجوا نوعاً من ثقافة افتخارية وتبريرية في آن؛ ولم يلتفتوا إلى حقيقة أن تلك الاستثناءات تؤكد القاعدة، أي تؤكد دونية المرأة واضطهادها وهامشيتها في المجتمع. ولم يدر في خلد أحدهم أن الجماعات البشرية تتراخى في التزام المعايير الاجتماعية، والأخلاقية منها خاصة، في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية، فتشارك النساء كالرجال سواء بسواء في الدفاع عن الوجود فحسب، كما تتراخى المعايير كذلك في المراحل الانتقالية، وليس ذلك، في نظر الكاتب، من قبيل المشاركة السياسية، بمعناها الحديث، من قريب أو من بعيد؛ فإن التراخي في المعايير شيء واستقرار الحياة الاجتماعية والسياسية على التعاقد والمشاركة والتسامح واعتراف الجميع بحقوق الجميع وحرياتهم شيء آخر.

على أن التراخي في المعايير الذي يسم المراحل الانتقالية يمهد السبيل للتغيير الاجتماعي؛ بقدر ما تتوفر قوى التغيير على القوة والنفوذ والجذرية والمثابرة، وبقدر ما تعبر عن مصالح جذرية لمختلف الفئات الاجتماعية، ولو بدرجات متفاوتة، وبقدر ما تنفتح الثقافة على آفاق كونية وإنسانية وتقوم بوظيفتها التنويرية والتحريرية، وتنفتح التربية على معطيات الحداثة ومبادئها وقيمها ومناهجها.

تعيش سورية منذ خمس سنوات مرحلة انتقالية، أبرز سماتها ظهور نوع من معارضة جديدة خرجت في معظمها من البنى الأيديولوجية المتخشبة التي لا تزال تجثم على صدر الحياة السياسية، ولا تزال هذه المعارضة الوليدة تحمل كثيراً من رواسب تلك البنى. ويمكن القول إن في سورية اليوم معارضين مشوشي الوعي لم يتمكنوا بعد من التوافق على رؤية وطنية ديمقراطية عامة تنبع من حاجات المجتمع وضرورة الخروج من النظام الشمولي إلى نظام وطني ديمقراطي، فلا تزال الطريق طويلة حتى يتحولوا إلى حركة معارضة شعبية، مدنية وسلمية، كانتفاضة الأرز في لبنان أو حركة كفاية في مصر. ولعل مثل هذه الحركة هي صمام الأمان الممكن من انفجار المجتمع واضطراب الأمن وسيادة الفوضى.

ومعظم السوريين الذين كانوا يمانعون تعليم البنات، على سبيل المثال، انتقلوا من الممانعة إلى التحفظ، ثم إلى التسامح، ثم إلى الإقبال والحماسة، فتراجعت نسبة الأمية بين النساء بوتائر متسارعة، وصار الآباء يفاخرون ببناتهم المتفوقات والمؤهلات علمياً مفاخرتهم بأولادهم الذكور. وقل مثل ذلك في موقف المجتمع من عمل المرأة[9]. ولم يعد سفرها في سبيل التحصيل العلمي أو في سبيل العمل أمراً مستهجناً جداً. بل إن موقف المجتمع بدأ يتزحزح شيئاً فشيئاً من مشاركة المرأة في التمثيل والغناء والرقص وارتياد البلاجات والمسابح، ومن الزواج المدني في حدود ضيقة جداً، وصار للفتاة بعض الحرية في اختيار شريك حياتها، ولا يخلو الأمر من مد وجزر في جميع هذه الميادين. وهذا كله ناتج من تراخي المجتمع في التزام المعايير التقليدية، بحكم المرحلة الانتقالية التي تعيشها سورية، مرحلة الانتقال الصعب والمتعثر من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث.

ويمكن القول بثقة: إن المرأة السورية تتمتع اليوم بحق التعليم وحق العمل، قانونياً وعملياً، بغض النظر عن تدني معدلات الادخار والاستثمار وندرة فرص العمل وتنامي الفقر والبطالة. وهذان، حق العمل وحق التعليم، محرزان أساسيان وشرطان ضروريان لنيل بقية الحقوق، وشرطان ضروريان لمشاركتها في الحياة السياسية أيضاً. على أن حقوق المرأة لا تتجذَّر ولا تستقر إلا في كنف الحرية وبكفالة القانون، وإلا فإنها تظل سطحية وهشة وقابلة للانتكاس والتراجع، ولا تتحول إلى مهماز لتقدم المجتمع؛ فإن الإفقار المتزايد ومصادرة الحريات الأساسية، على نحو ما يجري في سورية، يجعل من هذه الحقوق المكتسبة شكلاً بلا مضمون، كالنظام السياسي ذاته. آية ذلك أن تعلم المرأة ومشاركتها في العمل على قدم المساواة مع الرجل لم يسفرا حتى اليوم عن أي تغيير أو تعديل يذكر في شرطها الاجتماعي والإنساني أو في القوانين التي تحط من إنسانيتها وتنتقص من أهليتها القانونية[10]، بل إن عمل المرأة، خاصة في الريف والبادية حيث تقوم بجميع الأعمال، يضيف أعباء جديدة إلى أعبائها وشقاء إلى شقائها، إلا في القليل والنادر مما يومئ إلى المستقبل.

الاعتراف المبدئي والنهائي بحق الاختلاف ومشروعية المعارضة السياسية التي تعبر عن المصالح الجذرية للفئات الاجتماعية المختلفة، وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة العامة أسوة بالرجل رائزان أساسيان من روائز المشاركة السياسية، وشرطان ضروريان لحياة سياسية سليمة.
[1] - الحرية هي مضمون الملكية، والحق هو شكلها، والحديث هنا عن الحق بصفته العامة والمجردة، قبل أن يتفرع إلى حقوق مدنية وحقوق سياسية وغيرها، ويعبر عنه في صيغة دستور ومدونة قانونية. ولذلك علاقة وثيقة بمفهوم الإنتاج؛ إذ كل إنتاج هو تملك. الملكية هي الإرادة وقد صارت موضوعية. والتناقض الأساسي في الملكية هو التناقض الجدلي بين مضمونها العام وشكلها الخاص ، منذ ظهور الملكية الخاصة. ومن ثم فإن الحرية لا تصير عامة تشمل جميع مناحي الحياة وجميع الأفراد بالتساوي إلا حينما تصير الملكية عامة، بالمعنى الدقيق للكلمة. لذلك نتحدث عن حرية منقوصة باستمرار، سواء من حيث شمولها جميع الأفراد أو من حيث شمولها جميع مناحي الحياة. وهذا النقص هو أحد عوامل التقدم. وعلينا أن نتقبل هذا الوضع.

[2] - التعبير لمحمد أركون، ويقصد به المجتمعات التي لديها كتاب منزل.

[3] - منذ استقل الإنسان عن الطبيعة واستوى على عرش المعرفة والعمل، أو المعرفة/العمل، بستانياً للعالم، بدأ تاريخ ارتقائه على درب الآلام، لتملك العالم، واتخذ تاريخه صورة دراما ومأساة، كان نصيب النساء منها كبيراً.

[4] - لا أمل في إصلاح جدي ومشاركة سياسية في البلدان العربية ما لم يقم الفكر النظري بواجبه النقدي، فيعيد تعريف المفاهيم السياسية، كالوطن والوطنية والأمة والقومية والدولة والسياسة ... على أسس جديدة، ويسهم في إعادة بناء الوعي الاجتماعي، والوعي السياسي خاصة، وفق مبادئ الحرية والاستقلال في مواجهة التبعية والانقياد للخارج، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والشمولية، والحداثة في مواجهة التقليد، والعلمانية في مواجهة التيوقراطية وحاكمية وزراء الله وممثليه على الأرض.

[5] - الفكر السياسي العربي والخيال السياسي العربي معاً لم يرقيا بعد إلى مستوى التجريد، فلا يستطيع المفكر العربي والسياسي العربي، سوى استثناءات قليلة، أن ينظر إلى الدولة على أنها تجريد عمومية المجتمع وتعبير عن كليته، وإلى المواطن على أنه تجريد الفرد الطبيعي، فلا يستطيع تصور فكرة أن الدولة هي دولة جميع المواطنين ومحايدة حياداً إيجابياً إزاء جميع محمولات الأفراد والجماعات، وإزاء العقائد والأيديولوجيات الدينية والعلمانية على السواء.

[6] - العمل والدولة مستويان متلازمان ومتداخلان في الحياة الحديثة، يتعلق أولهما بحياة الفرد الخاصة، في المجتمع المدني، ويتعلق الثاني بحياته العامة، في المجتمع السياسي؛ الأول هو ميدان الفردية والخصوصية، والثاني هو ميدان العمومية. والعمومية هي ماهية الفردية والخصوصية وتحديدها الأخير، بعد تجريدها من جميع التعيينات.

[7] - راجع، ريجيس دو بريه، في "نقد العقل السياسي"، من منشورات دار الآداب، ببيروت. ومحمد عابد الجابري، في "العقل السياسي العربي"، من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، ببيروت.

[8] - الدولة القومية، في نظر القومويين عامة والبعثيين منهم خاصة، كالدولة الدينية، دولة حصرية وإقصائية لجماعة من "المؤمنين" هي "خير أمة أخرجت للناس"، تحتكر الحقيقة والوطنية، ولا تسمح بأي نوع من المشاركة أو المعارضة.

[9] - لا شك في أن لتردي الأوضاع المعاشية لأكثرية السوريين أثراً مهماً في التسامح إزاء عمل المرأة، ففي أيام شبابنا كان موضوع عمل المرأة موضوعاً خلافياً في كل مجلس، وكانت أكثرية النخبة، ناهيكم عن العامة، تميل إلىالمحافظة.

[10] - التعديل الوحيد الذي أقر في مجال الأحوال الشخصية، عام 2004 ، هو رفع سن حضانة الأم المطلقة أو الأرملة لأطفالها سنتين.

الأحد، 15 نوفمبر 2009

الشباب ومخاطر الإدمان





1- مقدمة
كانت ولازالت ظاهرة تعاطى المخدرات والمسكرات فى مختلف بلاد العالم، موضع اهتمام السلطات الحكومية. والهيئات المعنيه بالصحة الاجتماعية، كما أنها لازالت موضع اهتمام بالنسبة للمهتمين بالطب النفسى والصحة العقلية والاجتماعية. ومن الواضح أن هذا الاهتمام يرجع إلى ما يترتب على تعاطى المخدرات والمسكرات من أثار خطيرة تدمر الفرد والأسرة والمجتمع. وإدمان المخدرات يعد مشكلة صحية بدنية ونفسية، كما أنه مشكلة اقتصادية، إذ أن دخول المخدر للجسم .. بعيداً عن الإشراف الطبى - يؤثر على مختلف أجهزة الجسم من حيث القوة والنشاط والكفاءة الوظيفية كما يسبب بعض الإدمان . ويؤثر الإدمان على الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والتذكر والتصور والتخيل والانتباه والتركيز والإرادة وسلامة التفكير بوجه عام، كما يؤثر على الجانب الانفعالى للشخصية من حيث الرضا والسرور والنشوة والاكتئاب. وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية للمدمن فهى تصل إلى الصفر، إذ لا تكون له أى علاقة إلا بالمخدر وتجاره والشلة التى يتعاطى فى وسطها. وينعكس التأثير الضار من الناحية البدنية والنفسية على عملية الإنتاج والنشاط الاقتصادى، إذ لا يستطيع المدمن إذا كان يعمل فى المجال الإنتاجى ممارسة وظائفه على الوجه الأكمل، يضاف إلى ذلك تدهور مستوى طموح المدمن، وإمكانات الخلق والابتكار عنده. وقد كشفت إحدى الدراسات على أن المدمن وبخاصة لو كان فنياً لا يستقر فى مهنة واحدة، كما أنه كثير التعطل عن العمل ومستواه المهنى يتدهور تدريجياً، ويترتب على كل ذلك انخفاض أجره بما ينعكس على حياته وأسرته، بما هو سئ. وفى السنوات الأخيرة بدأت تنتشر موجة الإدمان بين الشباب، ولا سيما بين الطلبة.ولقد بينت إحدى الدراسات الميدانية على ظاهرة الإدمان فى مصر أن 13.8% من العينة بدءوا التعاطى قبل سن 16 سنه و 57.9% بدءوا التعاطى من سن 16 : 22 سنه وأن 73% من العينة واصلوا التعاطى ولم يتمكنوا من مواجهته. وهذا يوضح مدى خطورة المشكلة. وواجب الجميع. أفراد ومؤسسات الاهتمام بها ودراستها للتمكن من مجابهتها


2- تعريف الإدمان
هو عمل أو مادة يشعر المدمن برغبة ملحة قهرية مستمرة أن يتم هذا العمل، أو يستعمل هذه المادة مهما كان الثمن.

3- تعريف المادة المخدرة (أو العقار)

هى كل مادة خام أو مستحضرة تحتوى على مواد مسكنة أو منبهه، من شأنها إذا استخدمت فى غير الإغراض الطبية أو الصناعية المواجهة، أن تؤدى بالفرد إلى حالة من الاعتماد عليها، مما يضر بالفرد جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
والاعتماد هو:
نمط فى سوء التكيف على استخدام العقاقير، يؤدى إلى تدهور ملحوظ، مما يتضح فى ثلاث أو أكثر من الآتى:

1- الاحتياج فى زيادة ملحوظة للعقار للوصول إلى التأثير المرغوب.

2- أعراض جسمانية ونفسية تظهر عند التوقف عن استخدام العقار.

3- أخذ العقار بكميات أكبر ولمدة أطول مما كان ينوى الشخص عند بداية التعاطى.

4- هناك رغبة ملحة ودائمة للتعاطى، يقابلها محاولات فاشلة للإقلاع أو التحكم فى تعاطى العقار.

4- من هو المدمن؟

- هو شخص فى المجتمع غير متزن - غير واضح - غير مستقر.

2- أنانى يركز على ذاته دون أدنى اهتمام بصالح الآخرين، ولا يهتم إلا بمشاكله الخاصة به.

3- مشكلته الرئيسية الحفاظ على مورد المخدرات، أو الإشباع الفورى لرغبته للمخدرات. ويتبع أى وسيلة مهما كانت خطورتها لإشباع تلك الرغبة الملحة الشديدة.

4- يفتقر إلى النظام الذاتى وقدرة الإرادة والطموح، ولا تتوافر لديه الثقة بالنفس، ولا الإيمان بشخصيته ويتجنب المسئولية.

5- درجة استعداده للألم بكل أنواعه عالية للغاية، ولا يستطيع تحمل النقد ولا احتمال الإحباط.

6- فشل فى تطور علاقاته الإنسانية الطبيعية - وتميل علاقاته الشخصية إلى أن تقتصر على الأعضاء الآخرين فى عالم مدمنى المخدرات، وهكذا يصبح منبوذاً اجتماعياً، ويعيش فى وحدة قاسية.

5- أسباب الإدمان

توجد أسباب كثيرة تدفع الإنسان للدخول فى دائرة الإدمان، وهنا يلزم أن نفرق بين الأنواع المختلفة فى الناس المتعاطين.

أولاً: المتعاطين الذين دخلوا دائرة الإدمان بغير رغبتهم وليس لهم إرادة فى ذلك:

كالأشخاص الذين يتعرضون لحالات صحية تستدعى استعمال المواد المخدرة، وبخاصة المورفين المستخدم كمخدر للآلام الشديدة مثل السرطان - العمليات - الكسور - الحروق... الخ. ويحدث بعدها مشكلة تعلق المريض بالعقار دون قصد أو رغبة

ثانياً: المتعاطين ذو الشخصيات المضطربة قبل الإدمان:

1- الشخصية السيكوباتية:

شخصية إنسان يحب نفسه فقط ويكره المجتمع، وله سلوك انحرافى وإجرامى، ما دام يخدم أغراضه الخاصة، ولا يشعر بأى ذنب فى إساءاته للمجتمع، لا يخاف ولا يخجل، عدوانى، مرتشى، تاجر مخدرات... الخ.

2- الشخصية الإنطوائيه:

شخصية إنسان حساس، خجول، يعزل نفسه عن الآخرين، ولا يقوى على مواجهتهم، ولا على التعبير عن نفسه وآرائه، يضطرب إذا اضطر للتعامل مع الناس، يلجأ للمواد التى تهدى من توتره وتزيل خجله، كلما اضطرته الظروف لمواجهة الآخرين، ثم بتكرار الاستعمال تقوده للإدمان.

3- الشخصية المتوترة القلقة:

شخصية إنسان مندفع منفعل قلق خائف، لا يستريح، يرهق نفسه ومن حوله بلا سبب، غير قادر على التكيف مع المجتمع، يلجأ للمواد التى تزيل توتره، وتمنحه الهدوء والاسترخاء.

4- الشخصية الإكتئابية:

شخصية إنسان يميل للحزن والانفرادية، لا يوجد عنده رغبة فى الاستمتاع بالحياة، لا يثق فى نفسه، لا يوجد عنده أمل فى الحاضر أو المستقبل، يغلب عليه الإحباط والاكتئاب لأيام ويلجأ للمواد التى تسبب له الانتعاش والفرح والسرور المؤقت.. وتكرار استعمالها يقوده للإدمان.

5- الشخصية غير الناضجة:

شخصية إنسان يثور بسرعة، ينفعل لأتفه الأسباب، يضخم الأحداث البسيطة لضيق أفقه. ثم يهدأ ويعتذر، وبعد ندمه يعود فيكرر نفس الأسلوب، ويكون هذا السلوك المميز له.. يلجأ إلى المواد المخدرة ليتحكم فى انفعالاته.
ثالثاً: المتعاطين الذين لديهم تكوين خاطئ بسبب عوامل كثيرة:
فيكون فيهم ما يسمى بالاستعداد للإدمان وهذه العوامل هى:

1- عوامل بيئية:

كما أنه لا توجد علاقة بين الإدمان والمستوى الاجتماعى أو الاقتصادى، إلا أنه وجد مؤخراً أن عدد المدمنين من الطبقة المتوسطة والمميزة فى ازدياد، ولوحظ أيضاً أن المدمنين المصريين من الطبقات الفقيرة فى ازدياد مستمر.. العاملين بأعمال يدوية ذات الأجور الضئيلة، والذين يسكنون فى المناطق المزدحمة.وهذه العوامل معاً تعمل على دفع الشخص نحو الإدمان، ظاناً منه أنها تخفف من معاناته، وأيضاً انخفض سن المتعاطى فأصبح فى مرحلة الصبا، والذى ساعد على ذلك، وجود الشلل بين الصبية والشباب فى بداية تجربة التعاطى.

2- عوامل أسرية:

كأن يكون الوالدين أو أحدهما يتعاطى أى نوع من المخدرات، وأيضاً وجود أم متسلطة وأب غائب، مما يتسبب فى افتقاد القدوة، والتمركز حول الذات، والتساهل فى الصغائر بسبب ضعف القيادة الأسرية.

3- مشاكل الأطفال التى تجعلهم أكثر عرضه للتعاطى عند الكبر:

أ- مشاكل صحية مبكرة.

ب- مشاكل سلوكية كالأطفال العدوانيين والانطوائين والخجولين ... الخ .

ج- مشكلة التمركز حول الذات، كمبدأ فى الحياة كما تعلمه من العائلة.

د- مشكلة عدم الثقة بالنفس نتيجة تسلط الوالدين.

هـ- التمرد على تسلط الوالدين.

4- أنواع المخدرات :

1- مخدرات طبيعية. 2- مخدرات تصنيعية. 3- مخدرات تخليقية.

أولاً : المخدرات الطبيعية:

مواد ذات أصل نباتى.

1- الحشيش:

أ- تأثير الحشيش (2-3 ساعات بعد التعاطى).

1- يختل إدراك الزمن نحو البطئ. 2- يختل إدراك المسافة نحو الطول.

3- يختل إدراك الحجم نحو التضخم. 4- يزداد نصوع الألوان.

5- يزداد إدراك الصوت نحو الوضوح. 6- تميل حدوث الأشياء نحو الاهتزاز.

7- ضعف فى الذاكرة. 8- ازدياد التردد والتسرع ورغبة فى الجلوس فى الجماعة.

9- زيادة الرغبة الجنسية عن طريق التحكم فى الأخلاقيات Inhibiting Moral Control.

10- يزداد الشعور بالفر

ب- الإضرار Adversely Reaction of cannabis :

1- قلق - عدم نوم - سرعة ضربات القلب.

2- حالة بارنويا Paranoia.

3- Panic Reaction - dyophoric Reaction .

4- هلاوس سمعية وبصرية Visual, Auclitory hallucination .

5- فى الطلبة يؤدى إلى حالة من التبلد وفقد المها أن العقلية an motivational Syndrome cass of Academic Performance

2- الأفيون:


تأثير الأفيون:
فقدان الشهية - الهزال - بطئ الكلام والانتباه والذاكرة - نشوة يعقبها تبلد الضعف الجنسى.
الأضرار:
اضطراب الشخصية نحو السوء.

3- القات:


تأثير القات:
1- نشاط وسهو وعدم نوم. 2- احتباس فى البول.

3- اتساع حدقة العين. 4 - سوء التغذية.

5- انحراف فى السلوك.

4-الداتورا:


تأثير الداتورا:
1- ريق ناشف - عطش. 2- اتساع حدقة العين - زغللة.

3- حساسية زائدة للأصوات والأضواء. 4- احتباس بول.

5- ارتفاع ضغط الدم. 6- توهان - هياج.

7- ضعف عام. 8- فى الجرعات العالية يؤدى إلى الوفاة.

5- الكافيين:


يوجد بنسب متفاوتة فى الشاى - القهوة - الكاكاو - الشيكولاته.
تأثير الكافيين:
240 مجم - الإدمان مع العلم بأن فنجان الشاى 30 مجم، فنجان القهوة به 60 مجم.


6- النيكوتين:


يوجد فى السجائر - المعسل - التوباكو
تأثير النيكوتين:
سوء التغذية - ضيق الشرايين - أزمات قلبية - سرطان الرئة - التأثير السام لثانى أكسيد الكربون على المخ.

ثانياً: المخدرات التصنيعية:

تستخلص من المخدرات الطبيعية.

1- المورفين من الأفيون:
تأثير المورفين:
1- انحراف القيم والأخلاقيات.

2- عدم النشاط، هزال، عدم القدرة على اتخاذ القرارات.

3- ارتكاب الجرائم.
الأضرار Adversely Reaction of cannabis :
اكتئاب - قلق - إمساك أو إسهال - استفراغ - رعشة - آلام فى كل الجسم.
2- الكودايين:
ينتمى إلى عائلة الأفيون، مهدئ للسعال.
3- الهيروين:
ينتمى إلى عائلة الأفيون، يستخرج من المورفين.
تأثير الهيروين:
1- اختلال فى الشخصية.

2- سلوك منحرف إجرامى.
الأعراض الاسخابية:
غمامة - استفراغ - آلام فى المفاصل - دموع - اتساع حدقة العين - عرق - سخونة - إسهال - تثاؤب - عدم النوم.
4- الكوكايين:
رعشة - ريق ناشف - اتساع حدقة العين - سرعة ضربات القلب.
نفسياً: يقظة وانبساط - نشاط حركى - قلق - عدوانية - هلاوس سمعية وبصرية - فقدان القدرة الجنسية - هياج - مرض عقلى "فصام اضطهادى".
الأعراض الأسخابيه:
اكتئاب - اضطراب النوم.


ثالثاً: المخدرات التخليقية:


1- المهدئات:
تهدئ الجهاز العصبى - النشاط الذهنى.
تأثيرها:
دوخة - توهان - عدم اتزان - انخفاض ضغط الدم.
الأعراض الأسخابيه:
غمامة - استفراغ - جسم همدان - قلق شديد - حساسية زائدة للصوت والضوء - رعشة - عدم نوم - نوبات صرعيه.

2- المنشطات تنشط الجهاز العصبى:
مثل الماكستون فورت، لها تأثير الكوكايين.
3- مواد الهلوسة ينتج عنها هلوسة - تخيلات - تداخل فى الحواس.
تأثيرها:
عدم اتزان - اتساع حدقة العين - سرعة ضربات القلب - ارتفاع ضغط الدم - هلاوس سمعية وبصرية - شعور خاطئ بالقوة - دوافع انتحارية وميل إلى القتل - اختلال فى الشخصية والواقع.
3- مذيبات طيارة:
بنزين - دوكو - الاسيتون - البويات - الكولا.
تأثيرها:
غثيان وقئ - سرعة ضربات القلب - تأثير ضار على المخ - الكبد - القلب - انبساط - عدم اتزان - كلام غير مفهوم - هلاوس بصرية.

الأثار الروحية للإدمان

قد يظن البعض أن آثار الإدمان معظمها صحية (جسدية) أو نفسية واجتماعية.. ولكن يجب أن نعلم أن للإدمان آثار روحية خطيرة سوف نتكلم عنها:


1- الإدمان يفسد هيكل الله المقدس:

"أما تعلمون أنكم هياكل الله وروح الله يسكن فيكم؟.. أن كان أحد يفسد هيكل الله فيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذى أنتم هو" (1كو 16:3). هل يعقل أن آخذ أعضاء المسيح وأسلمها للفساد والإدمان؟ هل يعقل أن تأخذ ذاك الذى نزل المسيح لكى يفتديه ويصلب لأجله وأدمن..؟ الجوهرة التى اشتراها المسيح بدمه لكى لا يهلكها ولكى يعيد إليها بريقها.. هل يعقل أن تبيعها بالتراب مفسداً إياها مع الإردياء؟. وبعد ذلك فماذا ستنفع؟ ماذا ستنتفع بعد أن تخسر نفسك وتهلكها وماذا يساويها بعد ذلك من كنوز هذه الدنيا؟.. لا شئ.

2- الإدمان يتسلط عليك كسيد قاس:

"لا يستطيع أحد أن يعبد سيدين".. إن استعباد الإنسان لهذا السيد الدخيل.. القاسى سوف يلقى تلقائياً تبعيته لذلك السيد المحب.. الآب الحنون.. فادى البشرية.. لقد تحدث بولس الرسول عن ما يحل لى وما لا يحل لى كابن لله فيقول "كل الأشياء تحل لى ولكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو 23:10). "كل الأشياء تحل لى ولكن لا يتسلط على شئ" (1كو 12:6). فكيف إذن يسلم الإنسان نفسه لهذا السيد القاسى ثم يستطيع بعد ذلك أن يتبع المسيح بعد أن يكون قد فقد حريته وإرادته التى منحها له المسيح "إن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحراراً".

3- الإدمان ينقل الشاب إلى مجموعة من الخطايا المتشعبة:

إن انخراط الشاب فى دائرة الخطية يجلب عليه الكثير من الشرور. فكثير من الأحيان لا يجد المدمن المال الكافى لشراء المخدر.. فماذا يفعل.. أنه سوف يضغط على نفسه مرة ومرات.. ولكنه بإدمانه قد أوقع نفسه تحت سطوة سيد قاس سيقوم بالضغط عليه إلى أبعد مما تتصور.. فماذا يفعل الشاب.. إزاء هذه الضغوط. سيندفع نحو السرقة ليوفر ما يلزمه من مال لشراء المخدر الباهظ الثمن. سيندفع نحو الكذب والمكر والدهاء للوصول إلى أغراضه. سيندفع نحو الجريمة بكل أشكالها بحثاً عن التخلص من مظاهر نقص كمية المخدر فى جسمه.. هذا بالإضافة إلى سلوكياته التى ستتصف بالجبن.. والخوف من العقاب أو من ضبطه متلبساً بتعاطى المخدرات، وحيازتها.. أو بسبب رعبه من المستقبل المظلم الذى ينتظره.

4- الإدمان يؤدى إلى الإحساس بالهزيمة والضياع:

ما أبغض وما أقسى على الإنسان أن يشعر بالهزيمة. ما أصعب على الإنسان أن يشعر أنه لا يمتلك القدرة على التحكم فى حواسه وطاقاته أو حتى جسده. حقاً أنه صعب جداً على الإنسان أن يشعر بأنه قد صار فريسة للإحساس بالفشل. ولأن الإنسان يعرف أن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة والمحبة والنصح، لذلك فمن المتوقع أن يشعر المدمن أن يد الرب قد تخلت عنه وأن الله قد أسلمه إلى "ذهن مرفوض".. ومن هنا يأتى الإحساس بالضياع خاصة وأنه سيواجه بإدمانه الإحساس بالعجز شبه الشامل.. فى عمله.. وفى تفكيره.. فى القدرة على التركيز,, فى ذاكرته.. فى جسده الهزيل. فى الأمور الجنسية. ليت المسيح يرحمنا من هذا الشعور البغيض القاتل والإحساس بصغر النفس.

5- الإدمان يؤدى إلى تأجيل التوبة والهروب منها:

ترى ماذا يدفع الإنسان إلى التوبة؟.. أليس إحساسه بالخطية التى أغضبت إلهه؟ وعزمه على القيام والنهوض والرجوع إلى الله..؟. ولكن أن كانت العزيمة قد خارت وتملكه شعور بالهزيمة والضياع.. فماذا يكون أمامه إلا أن يهرب من التوبة.. ويؤجلها.. لذلك فإننا نلاحظ أنه من الصعب على المدمن أن يعيش حياة التوبة لعدة أسباب منها:

+ عدم القدرة على مواجهة نفسه ومواجهة الخطية.

+ كثرة الخطايا الفرعية وإغراقه فى المشاكل.

+ الإحساس بالهزيمة وضعف العزيمة.. بل واليأس المتسلط عليه.

+ روح الاستهتار واللامبالاة التى تتملك عليه.

+ الارتباط بمجموعة الأشرار شركائه فى السلوك الردىء والتفافهم حوله.

6- الإدمان يفقدك ملكوتك وإكليلك:

وهذا هو نهاية المطاف.. فبعد أن خسر المدمن العالم كله.. خسر نفسه.. بعد أن خسر طاقته وصحته وحواسه وعائلته وأقاربه ومجتمعه ووطنه.. أصبح يواجه الخسارة العظمى التى لا تدانيها خسارة أخرى.. ألا وهى خسارة ملكوته وإكليله. فماذا قد أنتفع.. لقد سلم نفسه بنفسه للهلاك والتدمير. وبعد.. أخى الشاب.. هل عرفت الحقيقة؟ نطلب من المسيح أن يرحمنا ويحمينا من الوقوع فريسة للشر والأشرار.



الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الزكاة في الإسلام

تعريف الزكاة
تعرف الزكاة بأنها الجزء المخصص للفقير والمحتاج من أموال الغنى . وتحسب الزكاة كنسبة 2.5% من المدخرات السنوية إذا تعدت قيمة معينة تعرف بالنصاب .الزكاة مشتقة في اللغة العربية من زكا والتى تعنى النماء والطهارة والبركة . فإخراج الزكاة طهرة لأموال المسلم وقربة إلى الله تعالى يزداد بها ومجتمعه بركة وصلاحا .فالزكاة طهرة للمجتمع من التحاسد والتباغض وعنصر هام لزيادة التواد والتكافل بين أفراد المجتمع .
أهمية الزكاة
الزكاة ركن من أركان الإسلام الأساسية وهى فريضة على كل مسلم تتوفر فيه شروطها فيجب عليه إخراجها لمستحقيها . وقد ورد لفظ الزكاة فى القرآن الكريم مع الصلاة فى أكثر من (80) آية ." إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 2-آية 277)
المسلم الغنى ينظر إلى ثروته وأمواله كأمانة استأمنه الله عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها ويستعملها فيما يرضى الله تعالى . ويحث الله تعالى المسلمين على الإنفاق من أموالهم ليسدوا حاجات الفقراء والمحتاجين "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون " ( البقرة 2- آية 245 ) والزكاة في الإسلام هى أول نظام عرفته البشرية لتحقيق الرعاية للمحتاجين والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع حيث يعاد توزيع جزء من ثروات الأغنياء على الطبقات الفقيرة والمحتاجين .والزكاة طهرة لأموال المزكيَ وطهرة لنفسه من الأنانية والطمع والحرص وعدم المبالاة بمعاناة الغير وهى كذلك طهرة لنفس الفقير أو المحتاج من الغيرة والحسد والكراهية لأصحاب الثروات .وتؤدى الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع وتكافل أفراده والقضاء على الفقر وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأخلاقية إذا أحسن استغلال أموال الزكاة وصرفها لمستحقيها .
النصاب في الزكاة
والنصاب هو مقدار معين من المال محدد شرعا لا تجب الزكاة في أقل منه وتختلف قيمة النصاب حسب نوع المال .وقد حدد النبى صلى الله عليه وسلم النصاب بعشرين مثقالا من الذهب وهي تساوى (85) جراما من الذهب الخالص – وحدد نصاب الفضة بمائتى درهم وهى تساوى ( 595) جراما من الفضة الخالصة .ونصاب العملات الورقية هو ما يكافئ (85) جراما من الذهب الخالص ويتغير بتغير قيمة العملة . وحاليا يساوى النصاب (340) دينارا كويتيا أو (740) جنيها استرلينيا أو (1150 ) دولارا أمريكيا .ويعد الشخص غنيا إذا امتلك النصاب زيادة على حاجاته الرئيسه وحاجات عائلته ومن تحت رعايته بالنسبة للطعام والشراب والملبس والمركب والمسكن وأدوات عمله والضرورات الأخرى .ومتى امتلك الشخص النصاب زيادة على حاجاته وحاجات أسرته الأساسية لمدة سنة قمرية وجب عليه إخراج الزكاة .وتجب الزكاة أيضا بمعدلات متفاوتة فى الثروة الحيوانية والزروع والثمار والثروة المعدنية.
الأموال التي تجب فيها الزكاة
فرض الإسلام الزكاة فى الذهب والفضة ويقاس عليهما العملات المختلفة وكذلك عروض التجارة والزروع والثمار والأنغام والركاز والمعادن .وهذه بعض الملاحظات على الأموال الواجب فيها الزكاة وقيمة النصاب فيها: الذهب والفضة يبلغ نصاب الذهب 85 جراما من الذهب الخالص ونصاب الفضة 595 جراما من الفضة الخالصة والذهب الخالص هو السبائك الذهبية ( 999) الذهب والفضة تستحق الزكاة متى ما بلغت النصاب وحال عليها الحول. وقيمة الزكاة فيها 2.5% من قيمتها الخالصة حسب سعر الذهب والفضة يوم وجوب الزكاة .
زكاة الحلى من الذهب والفضة
الحلى المصنعة من غير الذهب والفضة لا زكاة فيها .حلى المرأة المعدة للاستعمال الشخصي لا زكاة فيها إذا لم تزد عن القدر المعتاد للبس المرأة بين مثيلاتها فى المستوى الاجتماعي لها . أما ما زاد عن القدر المعتاد لبسه فيجب تزكيته لأنه صار فيه معنى الاكتناز والادخار وكذلك تزكى المرأة ما عزفت عن لبسه من الحلي لقدم طرازه أو نحو ذلك من الأسباب .وتجب الزكاة فى الحلى مهما بلغت إذا اشترتها المرأة بنية الادخار أو الاستثمار .وتحسب زكاة حلى الذهب والفضة حسب وزن الذهب والفضة الخالصين ولا اعتبار بالقيمة ولا زيادتها بسبب الصياغة والصناعة ولا بقيمة الأحجار الكريمة والقطع المضافة من غير لذهب والفضة .الحلى المصنوعة من غير الذهب الخالص يسقط من وزنها مقدار ما يخالطها من غير الذهب .فى الذهب عيار (21) قيراطا يسقط مقدار الثمن ويزكى عن الباقي .والذهب عيار (18) قيراطا يسقط مقدار الربع ويزكى عن الباقى .
المقتنيات من الذهب والفضة
المقتنيات من الذهب والفضة وإن حرمت تجب الزكاة فيها . ومثال ذلك ما اتخذه الرجل من الزينة المحرمة كسوار الذهب للساعة أو قلم ذهبى أو ساعة ذهبية أو خاتم ذهبى .وحلى المرأة من الذهب والفضة التى تتخذها تشبها بالرجال ، وكذلك آنية الذهب والفضة ونحوها. ويضم الذهب بعضه الى بعض وتضم الفضة بعضها إلى بعض فإن بلغ النصاب وجبت الزكاة .
ملاحظة :
إذا لم يرغب الشخص فى إخراج القدر الواجب عليه ذهبا أو فضة يجوز أن يخرج قيمتها بالعملات الورقية
منقول للفائدة

التربية بين الفطرة والتعلم


كل أب، وأم يرغبان في تربية أبنائهما تربيةً صالحةً، ولكن هل يعرفان كيف يربيان التربية الصالحة؟ وهل يمتلكان الخبرة اللازمة لتلك التربية؟.. هذا هو الواقع الصعب فبين الإرادة والمعرفة، وبين الرغبة والخبرة وبين التوجه والممارسة شوط كبير وبون شاسع ومساحة كبيرة؛ ففي واقع الممارسة يشتكي كثير من الآباء والأمهات من فقدان أو ضعف القدرة على صياغة الأبناء أو التفاهم معهم رغم أنهم آباء صالحون أو أمهات صالحات ويطالبون الأبناء بنهجٍ طيبٍ صالحٍ ثم هم يُفاجئون باستعصاء الأبناء، وعدم استجابتهم بل وخروجهم عن حدود الطاعة والأدب واللياقة، وقد ينتاب بعض الآباء، والأمهات الشك في قدرتهم على التربية، ويسيرون في طريق الإحساس بالفشل واليأس وتأنيب الضمير فينفضون أيديهم من عملية التربية ويتركون لأبنائهم الحبل على الغارب ويتعايشون فقط مع سلوك الأبناء مجرد معايشة، والبعض الآخر يلقي باللوم دائمًا على الأبناء، وصعوبة التعامل مع الجيل الجديد ولا يراجع نفسه ولا أسلوبه، ويظلون في صراعٍ دائمٍ واتهامٍ مستمر، وينحون منحى العقاب والشدة والغلظة.

لذا وجب أن نطرح سؤالين مهمين:
السؤال الأول:
هل نحن نملك القدرةَ على تصحيح السلوك؟ وهل بإمكاننا أن نكون آباءً ناجحين أو أمهات ناجحات؟
السؤال الثاني: هل مجرد الرغبة والإرادة تكفي لننجح في تربية أبنائنا، أم أننا في حاجةٍ إلى المزيد من العلم والخبرة والتصحيح لأساليبنا في التربية؟
وللإجابة عن هذين السؤالين نقدم الآتي:


فطرة التربية التي فطر الله الناس عليها
المعاناة الممتعة.. ولادة الإنسان وولادة السلوك:
رغم كل الخلل ورغم كل التقصير فإننا يجب أن نثق في أنفسنا وندرك تمامًا أننا نمتلك فطرةً ممتازةً تساعدنا على حسن رعاية أبنائنا.

تسألني: أنا أملك القدرة على التربية الصحيحة؟؟! أقول لك: نعم أنت تملك.. أنا قادر على صياغة أولادي بالطريقة الصحيحة، نعم أنا متأكد تمامًا أنك قادر بفضل الله تعالى عليك، وما أودعه فيك من قدرات.

مَن يريد أن يعرف ذلك.. مَن يريد أن يعرف قدراته الهائلة وإمكانياته الضخمة وفطرته الرائعة فليصحبني في هذه الجولة القصيرة لنشاهد اللقطة الأولى لقدوم الطفل إلى هذا العالم، هيا نسترجع معًا مرحلةً من مراحل التربية قمنا بها على أفضل وجه وأدينا فيها أداءً ممتازًا وتحقق فيها عناصر التربية الممتازة بكل أساليبها وبكل متطلباتها، وهي فترة السنتين الأوليين من عمر طفلك.

وإذا كانت الولادة تتم مرة واحدة فهناك الكثير من السلوكيات تُولد أو تحتاج إلى توليد عبر السنين.

تعالوا معًا نشاهد اللقطة الأولى لقدوم هذا الإنسان الرائع الذي نقوم على رعايته:رحلة حمل طويلة تسعة أشهر تصحبها آلام ومتاعب كثيرة ثم تنتهي بالولادة، وما أدراكم ما الولادة تعب شديد وجهد ضخم وطلق ودم وإنهاك جسدي ثم يأتي طفل يستهل بالصراخ والصوت العالي، وهذا الأب الذي يقوم على رعاية الأم والطفل يتعب طول الوقت لكسب الرزق من أجل الإنفاق على زوجته وتقديم الرعاية الطبية اللازمة، فيأخذها للطبيب من وقتٍ لآخر أثناء الحمل ثم يُسارع بها عند بدء الطلق للولادة ويُوفِّر الحاجيات والمستلزمات ،ويشتري كذا وكذا، هذا الأب يعاني معاناةً شديدةً أيضًا طول هذه الرحلة.

الوالدان يتعبان ويعانيان فماذا يفعلان بعد رحلة التعب، والعناء والبذل والإنفاق:
هل نجد هذه الأم تنتقم من وليدها أو تغضب عليه أو تضربه أو تعامله بسوءٍ؛ لأنه هو السبب في كل هذه المعاناة؟!
هل نجد أبًا يسعى للانتقام من هذا الابن؛ لأنه تسبب له في كل هذه المتاعب وكل هذا العناء، وكلَّفه الكثير من وقته وجهده وماله؟!
والمجتمع من حولنا هل يغضب على هذا الطفل الذي أتعب والديه أو يحرض الوالدين ضده أو يدفعهما إلى معاقبته والانتقام منه؟!

كلا والله، فهذا مستحيل فأنت تجد الأم بعد كل هذا الجهد والعناء تستقبل وليدها بالفرح والسرور والترحاب قريرة العين به تأخذه في حضنها؛ تضمه إلى صدرها؛ تحنو عليه وتبذل له من جسمها وتطعمه من ثديها وتسهر من أجله الليالي، وتجد الأب يستقبل وليده بالبشرى والسرور ويطير فرحًا وسعادةً؛ يزف البشرى لأهله وذويه وأصدقائه وزملائه بقدوم الضيف العزيز الذي طال انتظاره.
وتجد المجتمع من حول الوالدين كذلك فرحًا مسرورًا يُقدِّم التهاني ويجلب الهدايا ويشارك في الفرحةِ ويساعد في الرعاية.


هذه اللقطة يجب ألا تغيب عنا؛ يجب أن تظل حاضرةً في الذهن أثناء تعاملنا مع أطفالنا طوال الزمن فتربيتنا لأبنائنا، وعمليات تعليم السلوك، وغرس القيم الصالحة في نفوس أبنائنا، وحل المشكلات، والتعامل مع الأخطاء هي عمليات تشبه الحمل والولادة فإذا كانت الأولى هي ولادة الإنسان فالثانية هي ولادة السلوك الصحيح للإنسان عملية كبيرة أيضًا تتكون من معاناة وتعب وبذل وجهد، ولكن يجب أن تكون مصحوبةً بمتعةٍ وسعادةٍ وفرحةٍ وسرورٍ وطيب خاطر، فهيا بنا نُحوِّل تعب التربية ومعاناتها إلى متعة وسعادة.


ثم هيا ننظر إلى باقي جهودنا الرائعة في السنتين الأوليين:
ننزل لمستوى الطفل ونسارع بتلبية رغباته دون بخل أو تأخر، نتعامل مع مشكلات الطفل بأسلوبٍ رائع، فنتقبل مشكلاته بصدرٍ رحب؛ يبكي ويصرخ فنهدئ من روعه ولا ننزعج؛ يتبول علينا فلا نغضب؛ يتبرز على نفسه فتغسله أمه، وتنظفه عن طيبِ خاطر وبنفسٍ راضية.نتدرج في سلوكنا في العمل على الارتقاء بالطفل خطوةً خطوةً دون تعجل: جلوس ثم زحف ثم وقوف ثم مشي وهكذا؛ مناغاة ثم برطمة ثم كلمات بسيطة ثم جمل مركبة ثم طلاقة في الكلام وهكذا.
نسعى جميعًا طوال الوقت لإسعاده وإدخال السرور على نفسه واستخراج البسمة من ثغره الجميل.
***********
إلى هذا الحد، فالسلوك جميل وطيب ورائع؛ ثم بعد أن يكبر الطفل ويبدأ في ممارسة بعض السلوكيات، وبالطبع يصدر منه الكثير من الأخطاء والمشكلات من نوعٍ آخر غير التي كانت في أول سنتين؛ فنفشل نحن في تطبيق النموذج الأول في التعامل مع الطفل في مراحله الجديدة؛ لماذا؟؟؟

هل تغيرت فطرتنا؟؟ هل فقدنا الحنان والحب لأبنائنا؟ أم هل تغير أبناؤنا وطرأ عليهم شيء مختلف؟؟!! الفطرة هي الفطرة والأبناء بمشاكلهم هم الأبناء بمشاكلهم.
أين يكمن الخلل؟؟!

حينما اختار الله تعالى أبانا آدم عليه السلام ليكون خليفةً في الأرض كان أول شيء يلزم هذا الخليفة هو العلم ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾، وإذا نظرنا إلى المهن والوظائف في هذه الأرض وجدنا أن:
مَن يعمل ميكانيكيًّا يتعلم كيف يصلح السيارات، ومَن يعمل مهندسًا يتعلم فنون التخطيط والمعمار والإنشاءات، ومَن يعمل طبيبًا يتعلم كيف يشخص وكيف يعالج، ومَن يعمل مدرسًا يتعلم طرق التدريس وتوصيل المعلومات وطرق الاختبار والامتحان.

كلٌّ يتعلم ويدرس ويعرف القواعد والمفاهيم والمفاتيح، ولكن مَن يعمل على رعاية أفضل خلق الله وأغلى شيء في هذا الوجود؛ لا يعرف في الغالب كيف يتعامل معه بالشكل الصحيح، ولا كيف يرعاه بالطريقة المناسبة، هذا الإنسان المُكرَّم المفضل بنصِّ كلام الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾ (الإسراء).

* لماذا كانت هذه السعادة تصحبنا في تربيتنا لأبنائنا في السنتين الأوليين رغم التعب والمعاناة؟؟!!

أولاً: لفطرةٍ فطرها الله تعالى في الإنسان: حيث أودع الله تعالى في الإنسان الحب والحنان وأوجد فيه الاستعداد الفطري للسلوك التربوي الصحيح.
ثانيًا: لتوفر المعلومات والخبرات اللازمة للتعامل مع هذه المرحلة: فكل أم تعرف أن الحمل يصحبه متاعب، وكل أم تعرف أن الولادة عملية كبيرة يصحبها التعب والعناء والبذل، وكل أب يعرف واجبه في رعاية الحمل ورعاية الولادة ومتطلبات ومستلزمات هذه العملية، فالأمر بالنسبة له في أغلب الأحوال لا يعد صدمةً، وبالتأكيد شاهد الكثير وسمع الكثير وتعلَّم الكثير من المجتمع حوله عن أمور الحمل والولادة ورأى تعاون الجميع وتكاتفهم مع بعضهم في هذه الظروف.

ثالثًا: توفر التعاون المشترك لإنجاح العملية التربوية: فعملية التربية لا ينجزها طرف بمفرده: لماذا لا نتعلم من المشهد الأول فنتكاتف جميعًا لرعاية الطفل: الأب والأم والمجتمع والمتخصصون، فكما استعنا بالطبيب المتخصص في الولادة يجب كذلك أن نستعين بالمتخصص في التربية؛ وكما تعلمت الأم من الجدة وتعلَّم الأب من الجد علينا كذلك أن نستعين بالمعلم، ونتعاون معه لننجز عملية التربية بالشكل المطلوب.
علم وخبرة
الأمر يحتاج إلى علم وخبرة وتعاون مشتركٍ لإنجاز التربية بشكلٍ صحيح، أنت مربٍ ممتاز بفطرتك، ولكن الأمر فقط يحتاج لبعض المعلومات، والخبرات واليوم بإذن الله نُقدِّم لك البدايةَ، وهي مفاتيح فهم عالم الطفولة.

هيا نتعلم مفاتيح فهم عالم الطفولة.. هيا نتعلَّم كيف نغرس القيم الصالحة، ونُعلِّم السلوك الصحيح، ونحل المشكلات، وفي نفس الوقت نحافظ على المتعة والروح الطيبة والعلاقة الحسنة مع الأبناء في جوٍّ من الحب والحنان وعلاقة الاحترام المتبادل.

ولكلِّ علمٍ مفتاح أو مفاتيح مناسبة مَن امتلكها استراح وأراح، وسار على هدى وبصيرة فنجح وأنجح، ومَن فقدها تعب وأتعب وتخبَّط وتاه ففشل وأفشل.. فهيا بنا نستثمر الفطرة، ونُضيف عليها العلم والخبرة من أجل رفعةِ أبنائنا ونهضة أمتنا.